دار في خاطري| حسن الظن بالله
في أحد الأيام سأل الطفل الصغير والده: ما معنى حسن الظن بالله؟ فقال الأب: أنك لا تتوقع من الله شرا، فقال الطفل: كيف؟ فقال الأب: بأن تتيقن دائما أن الله لن يفعل إلا خيرا، وأحمد الله دائما على هذا الخير.
صمت الطفل ولم يقل شيئا فتأكد الأب أنه لم يفهم، ففكر لبعض الوقت كيف يجعله يفهم بمثال عملي بسيط، ومن ثم قال له: امهلني بني إلى الغد وسوف تعرف بنفسك إجابة سؤالك، فقال الطفل: حسنا.
وفي اليوم التالي كان الطفل ينتظر عودة والده من العمل بفارغ الصبر، ليرى كيف سيجعله يعرف كيف يكون حسن الظن بالله.
عاد الأب إلى البيت فوجد طفله الصغير في انتظاره، فقال الأب: أين شقيقك وشقيقتك؟ هيا اصطحبهما إلى الغرفة، فهرول الصغير ليلبى ما طلبه منه.
عندما حضر الثلاثة إلى الغرفة، كان الأب جالسا على أحد المقاعد، فاستقبلهم بترحاب وقال لابنه الصغير: توقع ماذا اشتريت لك؟ فقال الطفل الصغير ببهجة وثقة: دراجة خضراء اللون، فأخرج الأب من تحت الفراش دراجة خضراء، ما إن رآها الطفل الصغير حتى تهلل فرحا.
ثم نظر الأب إلى ابنته وقال: توقعي ماذا اشتريت لك؟ فقالت الفتاة: الفستان الوردي الذي أعجبني منذ شهر وأخبرتني أنك سوف تهديني إياه عندما يتيسر الحال، وعلى الفور أخرج لها الفستان الوردي الذي كانت تتمناه، فسعدت به كثيرا، وشكرته كثيرا.
ثم نظر إلى ابنه الأكبر الذي كان صامتا طول الوقت ينظر إلى أخيه تارة وأخته تارة، وبداخله حقد يحاول إخفائه ولكنه يظهر على محياه، فقال الأب: توقع ماذا اشتريت لك؟ فقال له: لا شيء بالتأكيد، أو ربما كان شيئا لا قيمة له بالنسبة لي، فبعد أن اشتريت الدراجة والفستان لابد أن المال بحوزتك لن يكفي لشراء الهاتف الذكي الذي أتمناه، نظر الأب إليه بحزن وقال: أنت محق يا بني لم أشتري لك شيئا.
وفي المساء ذهب الأب إلى غرفة ابنه الصغير، فوجده سعيدا بدراجته، وبدى أنه نسي أمر سؤال الأمس، فقال له والده: هل عرفت إجابة سؤالك؟ فتذكر الطفل السؤال، ولكنه لم يعي كيف ومتى أجابه والده، فقال بتردد: لا! فقال الأب: عندما طلبت منك توقع الهدية التي اشتريتها لك، فلم تتردد لحظة في أني اشتريت لك شيئا غير الدراجة التي تتمناها، وكذلك فعلت شقيقتك، فأنا أعلم تمام العلم ماذا تريدون، ولكنني أردت معرفة مدى ثقتكم بي، ولأنكم تعلمون مدى حبي لكم، ورغبتي الدائمة في تحقيق أمانيكم لم تشك أبدا أنت وهي في أنني اشتريت لكما ما تريدان، أما أخوك فيبدو أنه لا يظن بي خيرا، أو ربما لم يثق بقدرتي على شراء ما يتمناه.
وعندئذ ابتسم الطفل وقال: لقد فهمت، إن كل ما نظنه بالله سوف يحدث، فلابد أن نظن به خيرا حتى ننال الخير، فقال الأب: واعلم يا بني أن الله يعلم ما تكن صدورنا، وكل ما نتمناه، وما ينفعنا وما يضرنا أكثر مما نعرفه نحن عن أنفسنا، وهو القادر على كل شيء، وأن خزائنه لا تنفد، فهو قادر على تحقيق ما تتمناه في لمح البصر، ولكن لابد من اليقين بذلك، وبالمناسبة لقد اشتريت لأخيك الهاتف الذكي الذي يتمناه وقد كنت سأعطيه له لولا ظنه السيء بي، وسيبقى معي حتى يثق بي وعندها سوف أعطيه له.