كيف يجد الشباب فرص أفضل للهجرة؟.. خبير بالجامعة الأمريكية يوضح
رضا الشويخي:
مع تداعيات وباء كورونا المستجد، تغيرت خريطة العالم وتدفقات الهجرة بشكل مُلفت، مجلة «مصر معاك» التي تصدرها وزارة الهجرة شهريًا كان لها هذا اللقاء مع الدكتور إبراهيم عوض، مدير مركز دراسات الهجرة واللاجئين بالجامعة الأمريكية، إلى تفاصيل الحوار:
كيف ترون تأثير الوباء على الهجرة بشكل عام؟
الوباء أثّر بشكل ملحوظ، ومع انتشاره اتخذ كل بلد إجراءات للوقاية والعلاج، بجانب إغلاق بعض الدول أمام حركة المهاجرين حرصًا على حياة أبنائها، الكثير من المنشآت أغلقت أبوابها وتقطّعت سلاسل القيمة العالمية التي ربطت البلدان والاقتصادات، فانكمش العرض من السلع والخدمات، وأدّى هذا بدوره إلى انكماش الطلب عليها. ولأن الطلب على اليد العاملة مرتبط بالطلب على السلع والخدمات، فلقد انخفض الطلب على اليد العاملة من ناحية، ولم يتمكن الكثير من اليد العاملة من التحرك بسهولة لأعمالهم مع إجراءات الوباء، سواء داخل البلاد أو اليد العاملة المهاجرة. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد؛ فحتى العاملين الذين ظلوا في أعمالهم عانوا بشكل كبير من تأخر رواتبهم واستقطاع بعضها.
بعض الدول لم يقل الطلب على اليد العاملة ولكن قلت القدرة على الوفاء وتلبية مطالبها واحتياجاتها من اليد العاملة المختلفة وسط الوباء مثل إنتاج الخضروات والفواكه والنباتات التي تأثرت بقلة اليد العاملة مثل إيطاليا وفرنسا مثلا؛ لصعوبة استقدام العمال ووصولهم، وهو ما كان يوفر فرص عمل للبعض في هذه المجالات.
وبشكل عام هناك عاملان محددان أديا إلى تراجع تشغيل اليد العاملة المهاجرة في بلدان الخليج في زمن الوباء ألا وهما إجراءات الصحة العامة الاحترازية وانخفاض أسعار النفط. بعض المحللين المتخصصين يرون أن الطلب على العمل في بلدان الخليج سيرجع إلى سيرته الأولى بمجرد انتهاء الوباء ثم التعافي التدريجي لأسعار النفط الذي سيواكب استئناف الاقتصاد العالمي لنشاطه ، فيما يرى آخرون عكس ذلك. سنناقش هذين العاملين مع عوامل أخرى هي أيضا من محددات الطلب على اليد العاملة في بلدان الخليج ألا وهى اتجاه هذه البلدان الواعي إلى اعتماد طرائق للإنتاج ذات قيمة مضافة مرتفعة، وسياسات توطين التشغيل، والموقف من المهاجرين عامة وما يعتريه أحيانا من خطاب كراهية للأجانب.
كيف تأثرت اليد العاملة المصرية بتداعيات كورونا؟
اليد العاملة المصرية مثل غيرها في التأثر بتداعيات الوباء، ولكن هناك تأثيرات متباينة حدثت خلال تلك الفترة، فزاد الطلب على اليد العاملة المهاجرة من الكوادر الطبية لمواجهة أعباء الوباء، وكذلك العاملين في المجال الرقمي والتكنولوجيا والحوسبة السحابية وغيرها، وهناك آثار ترتبت على ذلك، منها زيادة تحويلات المصريين بالخارج على سبيل المثال، تطبيقًا لنظرية مفادها أن التحويلات من العاملين بالخارج ترتفع مع الأزمات؛ فالمصريون بالخارج ملتزمون اجتماعيًا مع أسرهم وعائلاتهم لعبور الأزمة.
وبطبيعة الحال، لم تكن مصر فريدة في هذا الباب فلقد ارتفعت أيضا التحويلات إلى بلدان منشأ أخرى مثل باكستان وبنجلاديش وكينيا. ولكن البنك الدولي توقع في أكتوبر الماضي انخفاضا في التحويلات إلى مصر إلى 24,4 مليار دولار في سنة 2020 من 25,5 مليار في سنة 2019 وهو على أي حال توقع بالنسبة إلى إجمالي الدول منخفضة ومتوسطة الدخل انخفاضا في التحويلات إليها يبلغ 7 في المائة في سنة 2019 يليها انخفاض إضافي بنسبة 7,5 في المائة في سنة 2021.
هناك أعداد كبير غادرت من الخليج ورجعت لمصر أو غيرها من دول الهجرة، قد لا يكون هناك أعداد دقيقة، ولكننا الآن بحاجة إلى تحليل الاتجاهات نحو الهجرة، حتى وإن كنا لا نعرف -على وجه الدقة- عدد العمالة التي غادرت الخليج مثلا عائدين إلى أي دولة ولكن نعرف الاتجاه العام؛ فهذا الوباء ليس آخر وباء ولا بُد من الاحتياط، فالهجرة مرتبط ة بعناصر كثيرة سياسيا واقتصاديا، فهناك تأثر واضح على سبيل المثال ما حدث لأسعار البترول وانخفاضها، وبعدها توقف حركة الطيران بعد أزمة كورونا ما زاد من المخزون، إضافة إلى أن الإنتاج الأمريكي يعتبر بترولا صخريا، فضلًا عن الركود الذي ضرب الاقتصاد العالمي، ومن بينها أسواق النفط، ما أدى إلى البيع بالسالب في أجل مايو. في بلدان الخليج تزامن الوباء العالمي مع انخفاض حاد في أسعار النفط، وبالتالي في إيرادات هذه الدول وهى المحددة الأساسية للطلب على العمل فيها، فزاد الانخفاض في الطلب على العمل انخفاضا ملحوظا.
ما الذي ترونه مهما لتوفير فرص آمنة للمهاجرين المصريين؟
لدينا عدد كبير من اليد العاملة، ومع ذلك لا يوجد فرص كافية لكل هذه الأعداد، بخلاف دول أخرى تعاني من قلة اليد العاملة، فالهجرة حل لا مفرّ منه للعالم كله، ولذلك علينا وضع سياسات تشغيل ناجحة؛ لأن الهجرة مستمرة ولن تتوقف تلبية العرض وفرص العمل ستكون أقل مع معدلا ت النمو المرتفعة، علينا أيضًا سن قوانين لحماية العمال المهاجرين، والاهتمام بمراكز التشغيل والتدريب على فرص العمل وإكساب العمال المهارات التي تجعلهم مميزين في سوق العمل الخارجي، وكذلك التعاقد مع وكالات التشغيل، والبحث المستمر في تطور الاقتصادات وأسواق العمل الخارجية لتوفير فرص أفضل للعمالة المصرية.
وعلينا أيضًا مراعاة توفير فرص عمل بالداخل، بوضع سياسة مركّبة للتشغيل، لخلق فرص عمل لائق في مصر، والاشتراك في إنتاج سلع وخدمات للسوق المحلية وقابلة للتصدير تدرّ عملات أجنبية تعوِّض عن انخفاض التحويلات أو عن عدم ارتفاعها بما يواكب ازدياد الحاجة إليها.
في ديسمبر 2019 أطلقت وزارة الهجرة المبادرة الرئاسية لمكافحة الهجرة غير الشرعية “مراكب النجاة”، كيف تقيمون تلك التجربة؟
أي فكرة لتوفير فرص العمل للشباب هي مثابة طوق نجاة لعدد من الباحثين عن العمل؛ فلابد أن يقوم المسؤولون عن العمل بتوفير فرص العمل للشباب وسياسات تشغيل واضحة وشفافة، بالتعاون بين العديد من الجهات، فلدينا عمالة ماهرة وأيدي عاملة في مختلف المجالات، التدريب سيصقل هذه المهارات، المصريون يعملون ويجتهدون والدليل تحويلات المصريين بالخارج وارتفاعها، فكل دولة حريصة على اجتذاب أفضل العناصر، وهو ما يؤثر على حركة العمال والهجرة.
ما التجارب التي تراها الأكثر نجاحًا في إدارة ملف المهاجرين؟
هناك الكثير من التجارب الناجحة نستطيع الاستفادة منها، ومن بينها الفلبين لأكثر من سبب:
• البحث وتوفير فرص العمل لأبنائها.
• التدريب الجيد والمهارات المتنوعة للعامل الفلبيني.
• إنتاجية أعلى للعمالة مع التدريب الجيد.
• حماية الفلبين لعماله وعاملاته بالخارج بموجب قوانين واضحة.
• هناك صناعة كاملة من وكالات التشغيل الفلبينية وحرصها على حماية العمالة
المكسيك أيضا تجربتها جيدة وكذلك المغرب وضع سياسات مختلفة وبنجلاديش نموذج ناجح أيضًا.
كيف يمكن الاستفادة من هذه التجارب؟
الهجرة في مصر بشكل عام تحتاج تعاون قوي بين المؤسسات لتوفير فرص العمل لأبنائها وتدريب المهاجرين، ووضع سياسات واضحة للهجرة والبحث عن أفضل الأسواق العالمية ومواكبة احتياجاتها وشروطها، بجانب توقع الطلب المستقبلي بالعمل على الأبحاث والدراسات، وكذلك حماية العمال ووضع سياسات واضحة لضمان حقوقهم، ونستطيع الاستفادة من هذه التجارب بالطبع، بجانب الاهتمام بالتعليم الجيد وثقافة الشباب سواء تعريفهم بالعالم أو بإكسابهم الخبرات والمهارات اللازمة، وعمل دراسات عن تطور أسواق العمل والمهن التي سيزيد الطلب عليها حتى 2030 وصياغة وتنفيذ سياسات واضحة للهجرة؛ فحجم التحويلات المصريين من الخارج 27 مليار تقريبًا لو استغللنا جزءا صغيرًا منها في وضع سياسات وبناء مؤسسات تتناسب وحجم العمالة المصرية بالخارج ومساهمتها في الاقتصاد الوطني، سيكون الوضع أفضل؛ لتحسين شروط الهجرة والفوائد الناتجة عنها.
مؤخرًا أصدر دولة رئيس الوزراء قرارا بتشكيل لجنة لسرعة الانتهاء من قانون الهجرة، كيف ترون هذه الخطوة؟
لم أطلع على تفاصيل القانون، ولكن من المهم أن يتناول القانون حقوق المهاجرين والكيانات وصندوق الضمان الاجتماعي للمصريين بالخارج، وإن كنت أراه أساسًا للمصريين المهاجرين والمستوطنين بالخارج في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وهم نحو 10-12% من المهاجرين من مصر؛ فالقانون يحرص على توطيد علاقاتهم بمصر، وآمل أن يضمن القانون حقوق العاملين في الخارج في الخليج مثلا والدول العربية وغيرهم، وأن ينص على التشغيل والبحث والرعاية وأن يتضمن ما يضمن حقوق العمالة المؤقتة بلغة قانون الهجرة 1983م، وأن يحظوا بالاهتمام الواجب، بموجب هذه القانون، وأن ينص على تفعيل المجلس الأعلى للهجرة لدراسة أسواق العمل، وتوقيع الاتفاقيات مع البلدان المختلفة، وكذلك التعاون مع وكالات التشغيل، وإعادة التنظيم وتدريب وحماية العمالة لابد أن يتضمنها قانون الهجرة
منذ أيام كانت هناك زيارة لوفد وزاري مصري إلى ليبيا.. كيف ترى مستقبل الهجرة إلى ليبيا؟
ليبيا من أكبر الأسواق أمام العمالة المصرية ونأمل أن يكون هناك إعادة إعمار وفرص لليد العاملة المصرية بالاتفاق مع السلطات الليبية، ودراسة إعادة الإعمار بشكل جديّ، ودراسة القطاعات التي تحتاج للعمالة أيضا، والمهن المطلوبة والأعداد في الأقاليم المختلفة بَرْقة وبنغازي وطرابلس وغيرهم.
ليبيا من أكبر الأسواق التي كانت تستقبل العمالة المصرية قبل التغييرات السياسية الأخيرة، وعودة ليبيا لسابق عهدها خطوة مهمة من الناحية السياسية لمصر المجاورة لها، ومن الناحية الاجتماعية؛ حيث توفر فرص العمل المختلفة.
ما الذي نحتاجه لمنافسة أقوى في سوق الهجرة العالمي؟
اليد العاملة في مصر متنوعة، ولدينا عمالة مرتفعة المهارة علينا إيجاد أسواق عمل خارجية لها؛ فالعرض والطلب مترافقان لابد من دراسة الأسواق جيدًا أمام مختلف الفئات؛ في أوروبا مثلًا لديهم دراسات لتطور الطلب على العمل حتى 2030، بجانب دراسة السلع والاحتياجات الأكثر طلبًا لتوفير تدريب لفرص متعلق بهذه السلع ومجالاتها، وهنا نقطة مهمة ينبغي مراعاتها بالحرص على التوازن بين السوقين المحلي والخارجي، وأن تقوم مراكز البحث والدراسات في مصر بذلك، على غرار ما يقوم به الخارج في “مركز سالونيك للدراسات البحثية” على سبيل المثال، وهو مركز للتدريب المهني تابع للاتحاد الأوروبي يصدر دراسات عن الطلب على المهن المختلفة في الاتحاد الأوروبي حتى 2030 ويتم تحديثها دورياً.
علينا ايضًا الاستعانة بالخبرات والتعرف على المصادر، ووضع سياسات واضحة للمؤسسات لمعرفة فرص العمل والتعرف على تطور الطلب وصياغة سياسات واضحة وتعاون المؤسسات لذلك.
ولإدارة واعية لملف الهجرة لكسب فرص أكبر لا بُدّ من التعاون بين مؤسسات عديدة منها: التعليم وجانب الغرس الثقافي والتعليم الراقي لملائمة احتياجات أسواق العمل الخارجية وإكساب الشباب المهارات، القوى العاملة بالتحقق من عقود العمل والاتفاقات مع الدول الأخرى، وزارة الهجرة برعاية مصالح المصريين بالخارج وإشراك المصريين بالخارج في مشروعات استثمارية ناجحة ومخطط لها والتنسيق مع الجهات المختلفة، والتحفيز لباقي الجهات لرعاية المهاجرين، وزارة الخارجية بالتنسيق والحماية الدبلوماسية، وزارة العدل بسنّ القوانين لحماية المهاجرين وضمان حقوقهم.
هناك عوامل لا بُد من مراعاتها لئلا تؤثر الهجرة سلبًا على التوازن بين سوق العمل المحلي واحتياجاته مع تلبية الطلب في أسواق العمل الخارجية، مثلًا قطاعات الأطباء شهدت تأثرًا سلبيا بالهجرة، ليس في مصر وحدها ولكن هناك تجارب في بعض الدول لهجرة أطباء بعقود عمل تمريض لزيادة فرص التمريض أكثر من الأطباء، كما نحتاج لتحسين ظروف العمل ضمان الأجور المناسبة، الضمان الاجتماعي والتأمين والرعاية الصحية، توفير بيئة عمل آمنة
لماذا اخترتم دراسات الهجرة للتخصص فيها؟
اخترت دراسات الهجرة لارتباطي بالعديد من المؤسسات الدولية؛ فقد عملت بمنظمة العمل الدولية وأعمل مديرًا لمركز دراسات الهجرة واللاجئين بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وأرى هذه المجال قد جذبني إليه وأعمل به منذ أكثر من 30 عامًا؛ لاهتمامه بدراسة السياسة والاقتصاد والاجتماع ودراسة الأبعاد الداخلية والخارجية، وحتى وقت قريب كان اهتمام الباحثين المصريين بهذا المجال عزيزًا، ولكن تلوح في الأفق بارقة أمل مع تزايد اهتمام الطالبات والطلاب والباحثين المصريين بهذه الدراسات في السنوات الأخيرة، فحتى من 5-6 سنوات كان أغلب الطلاب والطالبات المسجلين في برنامج المركز من الأجانب، ولكن الوضع بات أفضل مع اهتمام الباحثين المصريين
لا بُد من باحثين مصريين أكفاء للبحث في دراسات الهجرة وكذلك للعمل في المؤسسات المعنية بقضايا الهجرة، من المؤسسات الوطنية وكذلك الإقليمية والدولية، وتزويدهم بالمعارف والخبرات التي تؤهلهم لوضع السياسات وتطبيقها بما يخدم سياسات الهجرة الآمنة.
ما الدرس الذي نتعلمه من الوباء؟
هناك الكثير من الدروس التي لا بُدّ من استيعابها؛ فالهجرة من أجل العمل ستستمر لأن أسبابها في بلدان المقصد والمنشأ لن تتلافى، ولكن المؤشرات تبيّن أن فعاليتها في أداء الوظائف المتوقعة منها في مصر ستخفت، ولتكن أزمة الوباء العالمي فرصة لصياغة سياسات جادة تمكن الاقتصاد الوطني من الاضطلاع بهذه الوظائف، وأن نتعاون لما يحقق الأفضل.