من الطبيعي أن ينال الفنانون والمبدعون نصيبهم من الشهرة وحب الجماهير خلال حياتهم، لكن على غير المألوف أن تأتي الشهرة بعد الوفاة بعد أن قضوا حياتهم في كفاح من أجلها لإثبات أنفسهم للعالم، لكن بسبب مشاكل في حياتهم الشخصية أو عدم قدرتهم على تسويق أعمالهم وإبداعهم، قُدر لهم أن يعيشوا في صمت وأن يعرفهم العالم ويخلد أثرهم بين الجميع بعد وفاتهم ومن بين تلك النماذج نيكولا تسلا، ومحمود درويش، وفرانس كافكا، وفان جوخ ونوضحها لكم في هذا الموضوع سبب شهرتهم بعد الوفاة.
نيكولا تسلا
كرّس العالم والمخترع الصربي الأمريكي نيكولا تسلا حياته للابتكار والاختراع، حيث أنتج خلالها أكثر من 300 براءة اختراع غطت مجالات متنوعة، ورغم إسهاماته الهائلة، لم يحظ تسلا بالاعتراف الذي يستحقه خلال حياته بسبب مشاكله المالية وافتقاره للمهارات التجارية، بالإضافة إلى بعض السلوكيات الغريبة التي جعلته منعزلًا عن المجتمع وغير قادر على تحقيق الاستفادة المادية من اختراعاته.
ولكن بعد وفاته، قدر له أن يصبح واحدًا من أكثر العلماء تأثيرًا في التاريخ الحديث، حيث أعيد اكتشاف أعماله وأفكاره وتم تقديرها بشكل كبير لدورها المحوري في تشكيل العالم الحديث، وساهمت كتبه ومقالاته في إحياء إرثه العلمي، وأصبح اسمه مرادفًا للابتكار والتقدم العلمي.
حتى أن شركة السيارات الكهربائية الشهيرة “تسلا” سُمّيت باسمه تكريمًا له ويُعتبر اليوم نيكولا تسلا رمزًا للعبقرية والإبداع، وتُعد اختراعاته أساسًا للعديد من التقنيات التي نعتمد عليها في حياتنا اليومية.
محمود درويش
محمود درويش كان شاعرًا فلسطينيًا بارزًا في الأدب العربي المعاصر، عُرف بشعره الذي تناول قضايا الهوية والوطن والنفي. على الرغم من نجاحه وتأثيره خلال حياته، لم يكن معروفًا عالميًا بقدر ما استحق.
لكن بعد وفاته في عام 2008، توسعت شهرته بشكل ملحوظ بفضل الترجمة إلى لغات متعددة والاهتمام العالمي بالأدب العربي. أصبحت أعمال درويش جزءًا من الدراسات الأدبية العالمية، ونظمت فعاليات تكريمية له في مختلف أنحاء العالم، مما عزز من مكانته كرمز أدبي.
فرانس كافكا
الأديب التشيكي فرانس كافكا عاش حياة مليئة بالقلق والاغتراب، وهو ما انعكس بوضوح في كتاباته التي تناولت مواضيع مثل البيروقراطية العبثية وفقدان الهوية، ورغم أنه لم ينل شهرة كبيرة خلال حياته، إلا أن أعماله أصبحت مشهورة بعد وفاته بفضل صديقه المقرب ماكس برود.
المفارقة الغريبة في قصة كافكا تكمن في أنه طلب من برود حرق كل أعماله غير المنشورة بعد وفاته لأنه لم يكن راضيًا عنها، ومع ذلك تجاهل برود وصيته ونشر هذه الأعمال، مما جعل كافكا واحدًا من أعظم الأدباء في التاريخ، لو كان برود قد نفذ وصيته، لربما لم يكن العالم يعرف شيئًا عن روائع كافكا التي أثرت بشكل كبير على الأدب الحديث.
فان جوخ
قضى الرسام الهولندي فان جوخ حياته في الرسم، حيث أنتج خلالها أكثر من 2100 عمل فني، لكن لم يعرف أحد عنه بسبب معاناته من الاكتئاب والهوس ومشاكل نفسية وصحية، مما أدى إلى عزله عن المجتمع وجعله غير قادر على التفاعل بشكل فعال مع الآخرين، لكن قدر له بعد وفاته أن يكون واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الفن الغربي.
بعد وفاته بوقت قصير، قام شقيقه ثيو وزوجة شقيقه بدور حاسم في الحفاظ على إرث فان جوخ. جمعا وبدآ في الترويج لها بشكل جاد، حيث نظما معارض لأعماله وبدأت تنتشر وتلقى إعجابًا شديدًا من الزائرين.
ومع مرور الوقت، أصبح فان جوخ يُعتبر رمزًا للعبقرية المأساوية، وفنه يُقدّر اليوم كواحد من أهم الإسهامات في تاريخ الفن الحديث، وتعد لوحاته الآن من بين الأكثر شهرة وقيمة في العالم.