كلمتها

المرأة المصرية.. طموح وتحدي بين الماضي والحاضر

قد يرى البعض نجاحات المصريات الآن أمرًا عاديًا، في ظل دعم غير مسبوق من الدولة المصرية والقيادة السياسية، مع إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، في مارس 2017. ولكن حديثنا اليوم عن مصر في مطلع القرن العشرين، وتحديدًا عام 1914، وحين كان فجر الثورة المصرية على وشك أن يبزغ نوره، كان معه ميلاد نهار جديد يحمل بين ذراعيه طفلة ذكية ولدت لأب من الدقهلية، وإن كان ميلادها بالقاهرة، إلا أنها تربت في محافظة أسيوط، والتي يشير البعض إلى أنها مسقط رأسها، على خلاف ما ذكرته هي في بعض حلقاتها.

حديثنا عن أول رئيسة تحرير في الصحافة المصرية الأستاذة أمينة السعيد، قد يكون الاسم غريبًا على بعض الشباب اليوم، ولكنه بالتأكيد ليس غريبًا على من يعرف خلطة النجاح وتفاصيلها. في واحدة من حلقاتها متحدثة عبر أثير “صوت العرب” تشيد أمينة بوالدها الذي أنفق عمرها متعهدًا بناته بالتربية والرعاية، قاطعًا عليهن عهدا قبل رحيله، ألا تتزوج أي منهن قبل إتمام الدراسة الجامعية، ولم يكن هذا غريبًا على والدها الدكتور أحمد السعيد، وهو طبيب له باع وثقافة وشهرة في محافظة أسيوط.

عرفت أمينة السعيد طريقها الوعر منذ بدء الرحلة، فردوت صعابه، وذللت ما فيه، حتى فُتح لها الباب، فتزاملت في الجامعة مع مصطفى أمين، أحد مؤسسي أخبار اليوم، وكذلك محمد فتحي والذي لقب بكروان الإذاعة، وتخرجت في جامعة فؤاد الأول “القاهرة”، من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، في ثالث دفعاتها، وكان اللقاء مع الصحفي الكبير الأستاذ محمد التابعي، فبدأت كتابة القصص الاجتماعية، وانتقاها الأستاذان إميل وجورجي زيدان فمنحاها فرصة في دار الهلال، وفي مجلة المصور بدأت بباب “سألوني” الذي عرفت به.

عملت “أمينة” في صحيفة كوكب الشرق، ومجلة آخر ساعة، وأجرت أول تحقيق صحفي لها عن “حمام السيدات الهوانم” زوجات كبار شخصيات الدولة، ما أثير زوبعة ضدها، طالت إلى حد المطالبة بإغلاق “آخر ساعة”، وإبان عملها في “دار الهلال” تم فصلها، بحجة قلة إنتاجها الصحفي، الأمر الذي منحها فترة لترتيب أوراقها، فوجدت الدعم من زوجها الأستاذ بكلية الزراعة د.عبد الله زين العابدين، والذي أهداها مجموعة أعمال مترجمة، تشبع فيها نهمها للعلم والمعرفة.

أصبحت الأستاذة أمينة أول كاتبة بعد “ملك حفني ناصف-باحثة البادية” تهتم بالحياة العامة وشئون المجتمع، وحققت إنجازات كبيرة، لم يسبقها إليها غيرها من السيدات -فيما نعلم- فترأست تحرير مجلتا المصور وحواء عام 1954، ومجلس إدارة دار الهلال1967. وأصبحت وكيلة لنقابة الصحفيين وعضوًا بالمجلس الأعلى للصحافة، وعضوية مجلس الشورى. وكانت أول صحفية تزور الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والهند.

لقد مثلت جهود أمينة السعيد تحولًا بارزًا في النظرة الاجتماعية إلى المرأة المصرية، رغم ما عرضته قناة ماسبيرو زمان في حوار معها، أن الإذاعة المصرية رفضت مجموعة قصصية ترجمتها أمينة عن الإنجليزية بحجة أن المترجم امرأة، في حين أن الإذاعة نفسها كانت تذيع مسرحيات توفيق الحكيم للاتحاد النسائي، والتي كانت أمينة واحدة من فريق التمثيل فيها،

ولم تغب أمينة السعيد عن ملعب الكتابة، فأصدرت العديد من الكتب، من بينها: من وحي العزلة، أوراق الخريف، مشاهداتي في الهند، وجوه في الظلام، الهدف الكبير، آخر الطريق، وغيرهم.

حصدت أمينة السعيد العديد من التكريمات، حيث منحها الزعيم جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى 1963، وأرسلها في بعثة مع الدكتور عبد القادر حاتم إلى الولايات المتحدة، ومنحها الرئيس السادات وسام الجمهورية عام 1970. كما نالت جائزة الكوكب الذهبي عام 1979، وفي العام 1992 منحها الرئيس حسني مبارك وسام الثقافة والآداب.

رحلت أمينة السعيد عن الدنيا في 13 من أغسطس عام 1995.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى