كاتب ومقال

مسلسلات رمضان

أراهن أنك تشاهد الكثير من مسلسلات رمضان فقط لأنك لا تجد ما يشغل وقتك بعد الإفطار، وتستمر في المشاهدة رغم أنك، في كثير من الأحيان، تجد رداءة في المحتوى، وقلة في الجودة، وضعفًا في الأداء التمثيلي، خاصة المحاولات المستميتة والمبتذلة للإضحاك.
في الواقع، يبذل جميع العاملين في الوسط الفني مجهودات خارقة لإنتاج المسلسلات الرمضانية، التي يتم ضخها بكميات كبيرة خلال الشهر الفضيل، ويحاولون بشتى الطرق جذب المشاهد، ولكن النتيجة النهائية لا تتجاوز 50٪ على أحسن تقدير.
لماذا؟ ومن أين أتيت بهذه النتيجة؟
لن أحدثك عن مسلسل بعينه، لكن بشكل عام هناك مواقف مفتعلة (يتحدث الطيار بحماس مع الأشباح التي يستطيع هو فقط أن يراها، رغم علمه بأن الناس سيتهمونه بالجنون)، وأحداث غير منطقية (هناك مسلسل كامل مبنى على فكرة أن زوجة فتحت باب الشقة فوجدت زوجها مقتولا وبدلا من استدعاء الشرطة أو الصراخ أو استدعاء الجيران قررت أن تتخلص من جثته بمساعدة أخواتها)، إلى جانب المبالغات (فجأة، تقف فتاة صغيرة تحضر إحدى الحفلات الماجنة لتتفلسف حول معنى الحياة ووجود الإنسان، بلا أي مبرر، ومنذ الحلقة الأولى في المسلسل).
هناك أيضًا محاولات إضحاك متهافتة (يستخدم البطل المسدس في كل المشاهد، ليس كأداة للترويع، بل للإضحاك واللطافة)، وبطء في الأحداث، وشخصيات غير مرسومة بدقة، ونجوم غير مرغوب فيهم لكنهم مستمرون في الظهور.
ناهيك عن القصص المملة، والدراما غير المحبوكة. إذن، نسبة 50٪ تعد متفائلة جدًا.
في الواقع، أرى أن الدراما المصرية يمكن أن تصبح منتجًا قابلًا للتصدير، وقادرًا على المنافسة عالميًا، بل ومصدرًا ماليًا مهمًا للدولة وللوسط الفني، لكن لم أجد جهة تتبنى هذه الرؤية. نحن نكتفي بالسوق المصري الواسع جدًا، ونظن أنه لا حاجة للتوسع إلى ما بعد الحدود، رغم أن المنافسة العالمية باتت في أوجها.
على النقيض، دول مثل الولايات المتحدة وتركيا وكوريا الجنوبية، رغم امتلاكها لأسواق داخلية ضخمة، سعت إلى تصدير إنتاجها الفني إلى مختلف أنحاء العالم. فالإحصائيات تشير إلى أن الولايات المتحدة تحقق عائدات تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات سنويًا من تصدير الإنتاج التلفزيوني، فيما بلغت قيمة صادرات المحتوى التلفزيوني لكوريا الجنوبية نحو 561.3 مليون دولار أمريكي في عام 2022، بينما تتجاوز عوائد تركيا من تصدير إنتاجها التلفزيوني 500 مليون دولار سنويًا.
إذن، ما ينقصنا فقط هو تبني فكرة التصدير. علمًا بأن التصدير يتطلب تغيير الأنماط المعتادة للمحتوى، بحيث يتناسب مع السوق الخارجي كما هو مناسب للسوق المحلي، وبالطبع يجب أن تزيد نسبة الجودة عن 50٪.
الدراما المصرية لديها تاريخ عريق وقاعدة جماهيرية ضخمة، لكنها بحاجة إلى تطوير يجعلها قادرة على المنافسة عالميًا، بدلًا من الاكتفاء بالسوق المحلي. نحن أمام فرصة اقتصادية وفنية حقيقية، لكننا بحاجة إلى رؤية واضحة وإرادة حقيقية لتحويل هذا القطاع إلى مصدر دخل قومي، تمامًا كما فعلت دول أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى