“شارلوك هولمز”.. لما نتعلق بالشخصيات الخيالية للروايات ؟
إن التخيل والإبداع، مهارة توسع مدارك العقل كثيرًا، فتخيل الشخصيات التي يبتكرها المؤلف في الروايات باختلاف أنواعها، دوًما ما تؤدي إلى تعلق القراء بهؤلاء الأبطال إلى حد مخيف أحيانًا، فربما تتأثر بهم إلى حد البكاء، وصولًا للحظات أخرى يمتلئ قلبك فيها بالغضب، وربما مشاعر أخرى متداخلة غير مفهومة.
فخلال رحلة القراءة، تآزر الأبطال في الحزن والخيبات، وتشاركهم الأحداث والأمنيات، وتشهد أفراحهم دون إرادة منكَ، حتى تتعلق في النهاية بتلك الشخصية الخيالية وتصبح جزء لا يتجزأ منك، كما هو الحال لعشاق المحقق الخيالي “شارلوك هولمز”، ففي كل عام آلاف من الناس يزورون أحد العناوين الأكثر شهرة في العالم “بيكر ستريت” في لندن.
هو عنوان سكن المحقق الخيالي هولمز بطل روايات الطبيب الاسكتلندي “آرثر كونان دويل”، حيث ابتكر آرثر شخصية خيالية لمحقق استشاري من أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، يساعد رجال الشرطة والمحققين في حل الألغاز، عندما تنفذ حلول الجرائم التي تواجههم.
فاشتهر بمهارته في استخدام التفكير المنطقي، وقدرته العالية على التنكر، بالإضافة إلى استخدام معلومات دقيقة في مجال الطب الشرعي لحل أعقد القضايا، وعلى الرغم من أن أساليبه الشهيرة في حل الألغاز قد بدأت بالخيال، إلا أن العديد منهم أصبح جزءًا من حلول الشرطة في العصر الحديث.
لماذا نتعلق بشخصية غير حقيقية؟
ترجع إحدى أسباب الارتباط الروحي بأبطال الراويات، أن معظم تلك الشخصيات الخيالية هي من أصل أخرى حقيقية، فكما استوحى الكاتب “كونان دويل”، شخصية هولمز من الدكتور “جوزيف بيل”، الذي كان يعمل لديه في المستشفى الملكي في اسكتلندا، قائلًا له: “أنت هو شرلوك هولمز، ومن الجيد أن تعلم ذلك”.
وأضاف، أن دكتور “جوزيف بيل” كان يصل إلى استنتاجات مذهلة بناءً على ملاحظات بسيطة، فهو كذلك في روايات أخرى، عندما يخبرك الكاتب في المقدمة أن تلك القصة مستوحاة من أحداث حقيقية، فتتفاعل معها وجدانيًا وعقلانيًا، لأنك على يقينٍ أنه حدث بالفعل، حتى تكاد تتلاحم مع أبطالها حتى بعد الإفراغ من قراءة الرواية.
تظل مرتبطًا بإحدى الشخصيات، وتظل مشاعرك المختلفة التي اجتاحت قلبك أثناء تلك الرحلة، حية لا تمحى مهما طال الزمن، ومن ناحية أخرى، ربما تؤثر إحدى الشخصيات في تفكيرك، فتغير مناطق ضعف داخلك إلى قوة، فتصبح ممتن لشخص خيالي لا وجود له، لكنه ساندك بشكل ما.
هل نحن أبطال تلك الروايات؟
يقول علماء النفس، أن ارتباطك بشخص خيالي في كتاب ما، ربما يرجع لصفات محددة رسمها المؤلف، تمنيت أن تمتلكها أنت يومًا، فترى انعاكس لصورة تريد أن تصبح عليها، فتتعلق بتلك الشخصية الخيالية وتعتبر أنها ذاتك بشكل أو بآخر.
وربما إذا وجدت مميزات مماثلة في نفسك، فإنك ترتبط بتلك الشخصية، برابطة قوية خيالية لا تُرى، لكنك تشعر بها بين سطور تلك الرواية، أما السبب الآخر، فيرجع لتشابه بينها وبين أحد من حولك، فتشعر وكأنك ترى حقيقة وليست مجرد خيال كما يعتقد البعض.
الهروب من الواقع:
وسط ضغوط الحياة وصعوبتها، يلجأ الكثير منا إلى الهروب إلى عالم افتراضي آخر، بعيدًا عن صخب الحياة، فالروايات والكتب تلبي ذلك النداء بما تحمله من عالم آخر، بعيدًا كل البعد عن ما يدور حولك.
فيؤدي ذلك إلى التعلق والارتباط بالشخصيات التي تخلق لنا ذلك العالم الافتراضي، حيث تلتقي بهم بعد يومًا طويل مليء بالمشقة والإرهاق، فتشعر بهدوء واستمتاع يخفف ثقل الحياة وأعبائها.
شخصية “شارلوك هولمز” الاستثنائية:
إن التميز والاختلاف، يفرض الارتباط بالشخصية إلى حد كبير، بحثًا عن الانفراد، فاستطاع الكاتب “آرثر كونان دويل”، ابتكار أشهر شخصية بوليسية في العالم، فظهر هولمز لأول مرة سنة 1887.
فكانت البداية برواية “دراسة في اللون القرمزي”، تلتها رواية “علامة الأربعة”، أما القصص القصيرة فبدأ إصدارها عام 1891، حيث كتب أربع روايات وستًا وخمسين قصة قصيرة بطولة شارلوك.
أما ملامح شخصية شارلوك هولمز، فقد كان شخص غريب الأطوار، وصف بالعشوائية والفوضى العارمة، لا يكترث للعادات الغذائية بل لم يكن يهتم بأمر الطعام على الإطلاق، بينما كان تدخين الغليون يلازمه دون توقف.
وفي “بيكر ستريت” لندن، بُني متحف “شارلوك هولمز”، تخليدًا لأثر المحقق الخيالي العظيم، وهو واحدًا من أشهر المتاحف الشعبية على مستوى العالم، أنشاءه الكاتب “كونان دويل”، وافتتح عام 1990.
حيث يضم معرضًا لتماثيل الشمع بالحجم الطبيعي، مع تجسيد المغامرات الأكثر شهرة لهولمز، ومحل البيع الكامل للأجسام الغريبة والهدايا التذكارية، كما صنع له تمثال في سويسرا، كما تخيله الرسام “سيدني باجيت”، في مجلة ستراند.
اقرأ أيضًا: “ليمان فرانك” .. الروائي الذي توقع ظهور الهاتف في كتاباته