تسللت أشعاره إلى قلوبنا بحب شديد على مدار أجيال متتالية، حيث ترك بصمة فريدة في تاريخ الأدب العربي والعالمي، وكتب العديد من الدواوين الشعرية التي خلدت في قلوبنا حتى هذه اللحظة إنه الشاعر السوري “نزار قباني“.
“لا تحب بعمق قبل أن تتأكد أن الطرف الآخر يحبك بنفس العمق، فعمق حبك اليوم هو عمق جرحك غدًا” نزار قباني.
ما السر وراء أشعار نزار قباني عن الحب والمرأة؟
في حياة كل منا قد يحدث شيئًا ما لا نعود بعدها كما كنا أبدًا، ربما يؤثر في قلوبنا ويمضي ويبقى فقط ندوبه، وأحداث أخرى قد تغير في مسار حياتنا إلى الأبد.
فلا نقوى على تخطي آلامها، مما يجعل قلوبنا تحمل ذلك الحزن دومًا فلا يفارقنا أبدًا، ويصبح سبيلنا الوحيد للتعبير عن هذا الألم هي حروف وكلمات ربما تهون من شعورنا قليلًا.
وهذا بالتحديد السر وراء أشعار نزار قباني، فكان انتحار شقيقته رافضة الزواج التقليدي بغير إرادتها، هو الحادث المروع الذي أثر كثيرًا في طفولة نزار قباني.
حيث قال نزار إن ذلك الحدث المأساوي قد يكون هو السر وراء طبيعة أشعاره التي تدافع عن الحب والمرأة، فرحيل شقيقته بسبب الحب جعل قلبه يدمي، حتى طالت أشعاره ذلك الألم تضامنًا مع قلبه.
“إذا أردت قتل أحدهم، فاحتل قلبه ثم غادر ببطء تاركًا إياه بين الموت والجنون” نزار قباني.
نزار قباني بين الطفولة والشعر:
شهد يوم 21 مارس عام 1923 ميلاد أعظم شعراء العصر الحديث، في العاصمة السورية دمشق لينشأ بين عائلة اشتهر أفرادها بتعلقهم وحبهم للأدب.
التحق بمدرسة الكلية العلمية الوطنية، ثم تابع دراسته في كلية الحقوق جامعة دمشق، ليعمل نزار في وزارة الخارجية السورية عقب تخرجه عام 1945، حيث عُين سفيرًا في مدن عالمية منها مدريد ولندن وإسطنبول وصولًا إلى القاهرة.
بداية من سن المراهقة تعلق قلب نزار بالشعر وازداد شغفه به يومًا تلو الآخر، وفي عام 1944 نشر أول ديوان شعري له بعنوان “قالت لي السمراء“.
ليثير الكثير من الجدل في سوريا، باعتبار أشعاره عالم مختلف لم يتعرفوا عليه من قبل، الأمر الذي دعى وزير الثقافة “منير العجلاني” بتقديم الدعم له ليسمح بنشر دواوينه بالفعل.
لينطلق نحو عالم الشعر بين عامي 1948-1950، حيث نشر ثلاثة دواوين وهي “طفولة نهد“، و“سامبا” و“أنت لي“، ثم بعد ستة أعوام نشر واحدًا من أهم وأجمل أعماله الفنية وهو ديوان “قصائد“.
تزوج نزار قباني من قريبة له وهي “زهراء أقبيق” وانجبا منها توفيق وهدباء، ولأنه اشتهر كثيرًا في سوريا والعالم، انهالت عليه المعجبات، حتى طلبت زوجته الطلاق لأنها لم تتحمل ذلك الوضع وهو ما حدث بالفعل.
شهد عام 1959 تعيين نزار قباني نائب سفير الجمهورية العربية المتحدة في الصين، ليقوم في الستينيات بنشر ثلاثة دواوين هي “حبيبتي“،و“الرسم بالكلمات” و“يوميات امرأة لا مبالية“.
ليخترق الحزن قلبه من جديد، حيث توفي ابنه توفيق إثر عملية قلبية، فتوقف نزار كتابة الشعر لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يلتقي ببلقيس الراوي التي عشقها من النظرة الأولى وتقدّم لخطبتها في عام 1962 ورفض من قبل أهلها.
ليقرر قباني عام 1966، أنه لا من مزيد من الحياة السياسية بعيدًا عن شغفه الأدبي، حتى استقال من السلك الدبلوماسي ليخوض رحلة الفن والأدب بحب وإجلال شديد.
“ما لا يرتاح له قلبك لا تثق به أبدًا فالقلب أبصر من العين” نزار قباني.
رحلة أدبية تركت بصمة خاصة:
بعد عامًا واحدًا من استقالته، أسس نزار دار نشر خاصة به في بيروت حملت اسم “منشورات نزار قباني“.
ليشهد نفس العام “1967” حدوث النكسة العربية، الأمر الذي أحدث فارقًا كبيرًا في قصائد نزار قباني فيما بعد.
لتصبح قصيدته “هوامش على دفتر النكسة” هي السبب وراء منع بث أشعاره في مصر، حتى منع من دخول البلاد.
ليكتب رسالة موثرة إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قائلًا: “لقد أودعت قصيدتي خلاصة ألمي وتمزقي، وكشفت فيها عن مناطق الوجع في جسد أمتي العربية لاقتناعي بأن ما انتهينا إليه لا يعالج بالتواري والهروب وإنما بالمواجهة الكاملة لعيوبنا وسيئاتنا، وإذا كانت صرختي حادة وجارحة وأنا أعترف سلفاً بأنها كذلك، فلأن الصرخة تكون في حجم الطعنة ولأن النزيف بمساحة الجرح، ولا أريد أن أصدق أن مثلك يعاقب النازف على نزيفه والمجروح على جراحه ويسمح باضطهاد شاعر عربي يريد أن يكون شريفًا وشجاعًا، فدفع ثمن صدقه وشجاعته“.
لتؤثر رسالته بالفعل حتى عادت قصائده يتردد صداها، وتزين كلماته الإذاعة والتلفزيون المصري.
بين الحب والموت والحياة:
“أكثر ما يعذبني في اللغة أنها لا تكفيكِ وأكثرُ ما يضايقني في الكتابة أنها لا تكتُبُكِ” نزار قباني.
بعدما ابتعد نزار قباني عن بلقيس الراوي لمدة سبع سنوات، تقدم لخطبتها من جديد، وتزوجا وعاشا في بيروت، كما انجبا زينب وعمر، وسط حياة أسرية دافئة ورائعة لا مثيل لها.
حتى عام 1981، حيث قتلت حبيبته ورفيقة دربه “بلقيس الراوي“، إثر انفجار سيارة مفخخة كنت تستهدف السفارة العراقية في بيروت.
ليلجأ نزار إلى أشعاره من جديد حيث كتب ما يقرب من اثني عشر ديوانًا منهم “قصيدة بلقيس” و“الحب لا يقف على الضوء الأحمر“، و“سيبقى الحب سيدي” و“ثلاثية أطفال الحجارة“، و“الأوراق السرية لعاشق قرمطي“، لتتوالى نجاحاته وأشعاره حتى التسعينات.
ليرحل نزار قباني عن عاملنا في سلام، في لندن يوم 30 أبريل عام 1998، الشاعر العربي العالمي الذي خلدت دواوينه في قلوبنا وتركت أثرًا في أرواحنا لا يمحى أبدًا.
ليدفن في دمشق حيث ترك وصيته قائلًا: “أدفن في دمشق، الرحم التي علمتني الشعر والإبداع، وأهدتني أبجدية الياسمين“.
“قبل النوم ألبس أجمل ما عندك، تعطر ورتب غرفتك، فبعض الذي يأتون في الحلم يستحقون حفاوة أكثر من الذين يأتون في الواقع” نزار قباني.
اقرأ أيضًا: عشق فتاة إسرائيلية ولقب بشاعر المقاومة.. ما لاتعرفه عن الفلسطيني محمود درويش
