كاتب ومقال

دار في خاطري| قارب النجاة

إنه يوم الجمعة، فجلست اقرأ جريدتي وبجانبي كوبا من الشاي، فجاء ابني وبيده كوبا آخر من الشاي، فوضعه بجوار كوبي، بينما جلس هو بجواري وراح ينظر في الجريدة ويقرأ، أعلم أن ابني رغم صغر سنه فهو يجيد القراءة ويفهم كثيرا مما يقرأ على عكس الكثير ممن هم في نفس عمره.

لم أكن أرغب في جعله يقرأ معاناة العالم، ولكن كيف أخفي تلك المعاناة، كما أنه يرى في ذلك استخفافا بعقله الناضج، فهو يريد الإلمام بكل ما يحدث من حوله.

مضينا نقرأ الجريدة، وكلما قرأنا حادثا أو جريمة، أو أي شيء يحدث في العالم سألني: هل هؤلاء مسلمون؟! فإن أجبته أجل! رمقني بنظرة لم أفهم مغزاها.

ما أن انتهينا من القراءة حتى قال لي: أليس المسلمين هم أمة سيدنا محمد؟! فقلت: أجل! فقال: إذًا فنحن خير أمة أخرجت للناس، فقلت بكل فخر: أجل! فقال: فلماذا يحدث بنا كل هذه المصائب والكوارث؟! ولماذا نحن معذبون إذًا؟!
وهنا لم أستطع الإجابة على سؤاله، فتظاهرت بأنني أرى شيئا هاما في هاتفي، ويبدو أنه أدرك ذلك فتركني وذهب إلى جده وقص عليه الأخبار التي قرأها في الجريدة، ثم طرح عليه سؤاله.

رحت استمع إلى حديثهما، فقد كنت أود معرفة كيف أكون الإجابة المناسبة لذلك الصغير، فقال الجد: تخيل أنك تسبح في بحر شاسع لا ترى اليابس على مقربة منه من أي اتجاه، ومن ثم عصفت بك الريح العاتية، ورحت تصارع وتقاوم ولكن دون فائدة حتى أوشكت على الهلاك، ثم رأيت قارب نجاة يقترب منك شيئا فشيئا حتى أصبح باستطاعتك الصعود على متنه، فقال الصغير: بالتأكيد سوف أنجوا به، فقال الجد: وماذا إن لم تفعل؟! فقال: سوف أبقى في صراع مؤلم حتى أهلك، فقال الجد: فهذا يا بني حالنا.

نظر ابني إليه متعجبا وقال: هل هناك من لديهم قاربا للنجاة فيدعونه ويغرقون؟! كيف يا جدي، قال الجد: أجل! إن أمامنا قارب نجاة يخلصنا من كل العذاب، ولكننا نتركه ونتألم حتى الهلاك، إن الله عز وجل خصنا بقاربي نجاة لإنقاذنا من العذاب، الأول: كانت في حياة النبي عليه الصلاة والسلام وهو وجود النبي عليه الصلاة والسلام نفسه بين المسلمين، والثاني: موجود في كل مكان وزمان وهو الاستغفار، ألم يكن هو القائل في كتابه الحكيم مخاطبا نبينا الكريم: ” وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ”.

صمت الصغير للحظة ثم قال: ولكن إن كنت أنا على متن ذلك القارب لساعدت الغارقين على النجاة، فضحك الجد وقال: أجل! لأنك تحب الخير، فنظر إليه وقال: لا تستخف بعقلي يا جدي وأجبني لماذا لا يفعل ذلك كل من يعلمون بأن الاستغفار هو قارب النجاة؟! فقال الجد: لا أفهم، فقال: أن يستغفروا جميعا لجميع المسلمين، فقال الجد: ألم نقل في دعائنا ” اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات” ونقول أيضا “اللهم اغفر لي ولوالدي والمؤمنين يوم يقوم الحساب”، فقال الصغير: أجل! ولكنك يا جدي أخبرتني أنه عندما نزلت هذه الآية ” ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ” عندئذ قال الرسول صلي الله عليه وسلم أنه سيستغفر للمنافقين أكثر من سبعين مرة؟! إنني أستطيع أن استغفر الله لجميع المسلمين كثيرا كثيرا لكي ننجو جميعا من العذاب، فنظر الجد إلي وقال: ليتنا نستطيع.

بقلم:
ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى