كاتب ومقال

دار في خاطري| لغة الأجداد التي ورثناها

وصلت الحافلة التي أقلت طلاب المرحلة الإعدادية إلى المتحف المصري، دخل الطلاب المتحف برفقة معلمهم، وبدأت الجولة الاستثنائية الرائعة، حيث كان الطلاب في سعادة، وانبهار، وفخر بذلك الإرث الحضاري الذي تركه لنا الأجداد.

بدأ المعلم في الشرح المفصل للقطع الأثرية المعروضة بالإضافة إلى تصحيح لبعض الأخطاء الشائعة، فقد كانت هذه الرحلة بالنسبة للطلاب بمثابة رحلة عبر الزمن للقاء الأجداد الذين صنعوا ذلك الإبداع، وكان اللقاء الأول مع الملك “أمنحتب الثالث” وزوجته الملكة “تي” اللذان تصدر تمثاليهما الواجهة، فقام المعلم بتقديمهما للطلاب بمعلومات وافية عنهما، ثم توالت اللقاءات وكانت من بينها اللقاء بالملك “مينا” وذلك حين توقفوا أمام لوحة من حجر الشيست الأخضر، فقال المعلم: هنا يعرفنا بنفسه الملك “مينا” من خلال لوحته المعروفة باسم لوحة “نعرمر”، وهذا هو الاسم الصحيح لها وليس كما يقال دائما ” نارمر”، وراح يشرح لهم كيف تم توحيد مصر، وكيف وضحت اللوحة ذلك.

ومن ثم زار الطلاب ملوك الدولة القديمة بداية من الملك “زوسر”، ثم توقف المعلم أمام تمثالين لرجل وامرأة شعر الطلاب حينئذ أنهما مازالا على قيد الحياة، وأنهما سوف يردان عليهم التحية إذا ألقوها عليهما، فقال المعلم: أنظروا الى “رع حتب” وزوجته “نفرت”! انظروا الى الإبداع والإتقان! وراح يوضح ذلك في أدق التفاصيل في التمثالين.

ثم ذهبوا إلى الدولة الوسطى، فرحب بهم الملك “منتوحتب الثاني” بتمثاله الذي لم يكن متقن كسابقيه من الدولة القديمة، فوضح ذلك المعلم بأنه كان البداية لعودة فنية جديدة بعد فترة إضمحلال ساءت فيها جميع الأحوال بما فيها الفنون والعمارة، ولكن المصري القديم استطاع أن يستعيد مجده ويتطور ويتقدم والشاهد على ذلك ملوك الدولة الوسطى الذين سوف نلتقي بهم الآن.

وبالفعل مرت الرحلة بملوك الدولة الوسطى، ولاحظوا التطور الفني، والسمات التي اتسمت بها تلك الفترة، حتى وصلوا على أبواب الدولة الحديثة، وهنا توقف بهم المعلم وقفة ليستريحون وفي الوقت نفسه يحدثهم عن فترة إنتقالية جديدة أدت إلى تدهور جديد، وتلك الفترة شهدت غزو الهكسوس وبقائهم في مصر قرابة قرنين من الزمان، وكيف استطاع أمراء طيبة تحرير البلاد منهم.

ومن ثم اتجهت الرحلة نحو الدولة الحديثة، وراح المعلم يشرح لهم سمات تلك الفترة، ويعرفهم بملوكها حتى توقف عند تمثال للملك ” إخناتون” وعرف الطلاب به وهو أول من دعى الى الوحدانية، وبدء بشرح دينه الجديد وموقف الناس منه وخاصة كهنة الآلهة الأخرى، ثم توقف عند الملك “توت عنخ أمون” وكيف نال شهرة كبيرة بعد اكتشاف مقبرته في عشرينات القرن الماضي.

وفي أثناء الزيارة كان الطلاب يلاحظون الكتابة المنقوشة على التوابيت والتماثيل، فسأل أحدهم مشيرا إلى تلك النقوش: هل هذه هي لغة أجدادنا القدماء؟ فقال المعلم: نعم! إنها اللغة المصرية القديمة، وهذا هو الخط الهيروغليفي، وهو يعني الخط المقدس الذي استخدمه المصري القديم في المعابد، والتوابيت، والتماثيل، فهو الخط الخاص بالملوك، أما الخط الهيراطيقي، فهو صورة مختصرة من الخط الهيروغليفي، ويعني الخط الكهنوتي، وهو الخط الذي استخدمه الكهنة، أما الديموطيقي، وهو صورة مختصرة من الهيراطيقي، وهو يعني الخط الشعبي الذي استخدمه عامة الشعب في الكتابة، وبالأخص على أوراق البردي.

راح الطلاب يتأملون ذلك الخط وكيف أبدع المصري القديم في نقشه، ثم سأل أحد الطلاب: لماذا اندثرت لغة الأجداد؟ فقال المعلم: صحيح أن لا أحد اليوم يتكلم اللغة المصرية القديمة، ولكنها مازالت موجودة في أحاديثنا اليومية، تعجب الطلاب وتعالت أصواتهم متسائلة كيف؟!! فقال المعلم: إن هناك الكثير من الكلمات التي حوتها اللغة المصرية القديمة موجودة حتى الآن في لهجتنا العامية، مثل: كلمة “نن وهي تعني طفل رضيع، ألم نقل بالعامية “نونو”، والرجل الكبير في السن كان يطلق عليه “كحكح” من سمع كلمة “مكحكح” من قبل؟ رد بعض الطلاب بأصوات متفاوتة: أنا.
ثم أكمل المعلم قائلا: من يستخدم كلمة “بطط”؟ فهذه الكلمة تعني سحق الأشياء، وأيضا كلمة “كركر” تعني يضحك نعلمها جميعنا، وعندما نعلم طفلا السير نقول له “تاتة” فهذه الكلمة باللغة المصرية القديمة تعني خطوة خطوة، وعندما يقفز الطفل نقول بالعامية “فط” فهذه الكلمة تعني قفز، وعندما يدقق أحدهم النظر بشيء نقول “مأأ عينه” فكلمة “مأأ” تعني دقق النظر، وأيضا كلمة “ست” فهي تعني إمرأة.

راح الطلاب يرددون تلك الكلمات، ويتذكرونها في مواقف حدثت معهم بالفعل وقيلت فيها، ومضوا ينطقون كلمات أخرى من العامية، ويسألون المعلم عنها إن كانت من اللغة المصرية القديمة أم لا! وعندئذ قال المعلم: إن اللغة المصرية القديمة لم تندثر ولكن الخطوط التي كتبت بها هي التي اختفت، وذلك لأن مصر تعرضت لغزو الفرس وذلك بعد ضعف الدولة الحديثة ، ونهاية العصر المتأخر، ثم أصبحت تحت حكم الإغريق بعد دخول الإسكندر المقدوني، وتلاه البطالمة، ثم حكم الرومان وحقبته الأخيرة وهو الحكم البيزنطي، ثم أتى الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص، وبذلك تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية، فتستعيد مصر مجدها من جديد تحت لواء الإسلام، فيبدع الفنان المصري في عمارة المساجد، والنقوش الإسلامية.
والآن من يريد رؤية طعام أجدادنا؟!

تحمس الطلاب لرؤية ذلك الطعام الذي مر عليه آلاف السنين، فرأوا الخبز والحبوب فول، عدس، ترمس، شعير، وقمح، بالإضافة إلى بعض ثمار الدوم والرمان، ثم رأى الطلاب الحلي الذي استخدمه الأجداد، ومجموعة من المرايا.

في نهاية الرحلة قال المعلم: إن زيارة واحدة إلى المتحف المصري لا تكفي لمشاهدة كل شيء، ولكني أعدكم بزيارة ثانية بإذن الله.

ركب الطلاب الحافلة عائدين إلى منازلهم، فقال المعلم: والآن أريد من كل طالب أن يكتب بحثا صغيرا عن هذه الزيارة، وكيف يستطيع أن يحيي تراثنا الحضاري القديم في ظل التكنولوجيا الحديثة وتحت راية الإسلام.

بقلم:
ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى