كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| السلطة الخامسة

لا يمكن لأي مجتمع بشري أن ينتظم بغير وجود سلطات تقوم بذلك ولذلك فان السلطات التقليدية في أي مجتمع وهي التنفيذية والتشريعية والقضائية، استمرت في إدارة وتنظيم المجتمعات حتى أتت الصحافة وزاد تأثيرها على المجتمع مما دفع البعض بإطلاق تعبير “السلطة الرابعة” عليها ثم تطور المفهوم مع الوقت ليتغير من “الصحافة” إلى “الإعلام” بأشكاله وصوره المختلفة.

عند الحديث عن محاولة اكتشاف أي سلطات أخرى لنطلق على أكثرهم تأثيرا اسم “السلطة الخامسة”، اعتبر البعض أن المجتمع المدني هو الأولى بذلك فيما اعتبر البعض الآخر أن البروليتاريا هي الأجدر يتقلد هذا المنصب والوصف بهذه الصفة و هي اعتبارات لم تلق القبول الكافي ليتم اعتمادها عالميا وأصبح الأمر في حدود الأربع سلطات السابق الإشارة إليها مع انتقال الأمر من الصحافة إلى الإعلام بمفهومه الأوسع.

خلال العقود القليلة الماضية وخاصة العقدين الأخيرين، برزت شبكة الإنترنت بتطبيقاتها المختلفة لتربط العالم كله بعضه ببعض وتتيح مشاركة البشر عبر أطراف الأرض في منظومات تواصل واتصال غاية في السرعة والوضوح ومنها بالطبع تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعى والتي أتاحت ولأول مرة مشاركة جموع الشعب والأفراد العاديين في كافة القضايا الهامة والتافهة بالتعرف عليها والمشاركة بالرأى أيضا.

فحتى السلطة الرابعة بقى الأمر محصورا فيمن يستطيع أن يجد مساحة في الإعلام لإيصال صوته ووجهة نظره وذلك بضوابط الوسيلة الإعلامية التي وجد له مساحة فيها أما في عصر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت والهواتف الذكية والبنية التحتية السريعة والتطبيقات التكنولوجية المتعددة فإن الأمر اختلف كثيرا حيث سمح لخمسة مليار إنسان من التواصل والاتصال بكافة مصادر المعرفة والأخبار؟..

وليس هذا وحسب بل سمح لكل مستخدم منهم أن يعبر عن وجهة نظره ويتواصل بالصوت والصورة مع الآخرين وهو ما خلق ما يمكن أن يطلق عليه “الطوفان الرقمي”، فالخبر ينتشر أسرع من النار في الهشيم ووجهات النظر والآراء أيضا، وأصبح من الصعب الإبقاء على اغلب الموضوعات في طي الكتمان كما كان الأمر في الماضي، فطي الكتمان قد انفتح على مصراعيه بدرجة أصبحت تهدد الخصوصية بأنواعها وعلى كافة المستويات أيضا.

لكن على الجانب الآخر أدى ذلك بهذا العالم الافتراضي أن يصبح مؤثرا بصورة كبيرة في علاقة البشر بالسلطات الأربع السابقة، فالرأي العام بات أوضح وأكثر تأثيرا وأسهل في الرصد و التحليل، هذه السهولة ساهمت أيضا في نشر المعارف وانتقالها بين البشر بصورة غير مسبوقة كما ساهمت في إظهار نجوم ونوابغ ولصوص وخارجين على القانون بصورة لم نعهدها من قبل ولذلك فإن تلك السلطة في استخدامها وفي التعرض لها نحتاج إلى العديد من الضوابط للتقنين والتقييم والتحليل والمقارنة قبل أن نتركها تمارس سلطاتها بلا أي رقيب أو حسيب.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى