كلمة ورد غطاها| أين ذهب فانوس رمضان؟

فانوس رمضان والذي بدأ الارتباط به منذ قدوم المعز لدين الله الفاطمي إلى مصر، حيث دخلها في مساء الخامس من الشهر عام 358 هجرية. ومنذ ذلك التاريخ، ارتبط قدوم الشهر بالفانوس الذي يقال إن أصل التسمية يعود إلى الفراعنة. بالرغم من أن الغالبية تعتمد الرواية السابقة لبدء ظهور الفانوس مرتبطًا بشهر رمضان، إلا أن بعض الروايات الأخرى تتحدث عن أمر من أحد الخلفاء الفاطميين لأئمة المساجد بإنارة الطريق ليلاً من خلال تلك الفوانيس. هذا بالإضافة إلى رواية أخرى تتحدث عن استخدام الفوانيس من قبل النساء كوسيلة للتنصل من تلك العادات، والنظر إليها على أنها لا تناسب العصر، أثناء سيرهن ليلاً، حيث يحمله أحد الصبية أمامهن.
وفي جميع الأحوال، بات ارتباط الشهر الكريم في مصر بالفانوس وثيقًا، وتحول إلى زينة يتم تعليقها في الشوارع ليلاً، وإلى لعبة صغيرة يحملها الأطفال. بدأت بفوانيس من الصفيح بها قطع من الزجاج الملون تُضاء بشموع صغيرة، وتطورت مع تطور التكنولوجيا إلى فوانيس جديدة تُضاء بمصابيح كهربائية صغيرة تعمل بالبطاريات، ثم أضيف إليها نغمات موسيقية، وصولًا إلى أغانٍ شهر رمضان الشهيرة مثل “مرحب شهر الصوم” و”وحوي يا وحوي”.
الملاحظ أن تلك الظاهرة تراجعت كثيرًا في السنوات الماضية، فلم يعد الأطفال يهتمون بحمل الفوانيس، وتم الاكتفاء بفوانيس كهربائية بسيطة، أو هياكل للفوانيس، يتم تعليقها داخل المنازل أو في البلكونات والنوافذ أو على جدران العمارات.
ليس الفانوس فقط هو الظاهرة المتراجعة، ولكن تراجعت مظاهر أخرى كثيرة مع انتشار التكنولوجيا والإنترنت. حتى مسلسلات رمضان باتت تُشاهد من خلال المنصات الرقمية، فلم يعد الالتفاف حول جهاز التلفاز كما كان في الماضي. بالطبع، حدث أمر مشابه قبل ذلك مع المذياع وبرامجه المسلية.
أصبحت مظاهر الشهر الكريم أقل حدة عن ذي قبل. منذ عدة أيام، كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء الذي أشار إلى أن جو رمضان أخذ في الاضمحلال بصورة كبيرة مع تصاعد مظاهر أخرى وتقاليد غريبة مثل الحديث عن صوص البيستاشيو وتقاليد الكنافة بالمانجو والقفطان النسائي وغيرها من المستحدثات. ولا أدري هل هو الملل الذي أصاب إنسان العصر فجعله لا يلتصق بعادة ما مدة طويلة، ويصيبه الملل والضجر سريعًا، فيبحث عن التجديد وعادات وتقاليد جديدة تناسب العصر مع نظرة قد تحمل الكثير من الملل أو عدم الاستمتاع بالعادات القديمة المستقرة، أم هناك أسباب أخرى.
في جميع الحالات، نتمنى أن تكون كل تلك الاختلافات مجرد هبة سريعة ضد كل ما هو قديم، سرعان ما تعود بعدها الأمور إلى نصابها الصحيح. ففي جميع الأحوال، لا البيستاشيو ولا الفانوس ولا غيره من الأمور يجب أن يمثلوا هذا الشهر الكريم الذي هو شهر خير وعبادة وتقرب إلى الله.