سميرة موسى.. ميس كوري الشرق وشهيدة العلم
“محطة القطار التي لم نصل اليها أكثر إثارة من المحطة التي طويناها، والمرأة التي لم تأت أجمل من المرأة التي أتت، والشخصية التي لم نكتب عنها أشد غموضا من الشخصية التي كتبنا عنها، فالجديد هو السحر الطازج الذي لم نتوصل إليه، ولو كان المعلوم أهم من المجهول لبقيت الدنيا على حالها، متنقلة بين ظلام الكهف وفروع الشجر لسنوات طوال ظلت الدكتورة سميرة موسى شخصية محاطة بالغموض، هذا ما قيل عن اغتيال العلماء العرب وسميرة موسى.
نبدأ من النهاية:
استجابت سميرة موسى إلى دعوة السفر إلى أمريكا في عام 1951، حيث أتيحت لها فرصة إجراء بحوث في معامل جامعة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية، تلقت عروضاً لكي تبقى في أمريكا.
لكنها رفضت وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة زيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا في 15 أغسطس، و في طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة؛ لتصطدم بسيارتها بقوة و تلقي بها في وادي عميق، ليقفز سائق السيارة و اختفى إلى الأبد.
عنها في طفولتها:
سميرة موسى عليان الابنة الرابعة لوالدها الذي عزم على ألا يفرق في التعليم بين بناته السبع وأبنائه الذكور الذين رزق بهم بعد ذلك، ولدت في 3 مارس من عام 1917.
كانت ثورة 1919 سببًا للمناداة بحرية الوطن ومعها فتحت سميرة عينيها، هيأ هذا المناخ لسميرة أن تصبح امرأة وطنية تعتز بمصريتها، وعندما شبت فتاة يافعة، وجدت تياراً آخر ينادي بحرية تعليم المرأة في جميع مراحل التعليم، تقوده صفية زغلول، وهدى شعراوي، ونبوية موسى، إلا أن هذا التيار أثر تأثيراً غير مباشر على تقدم سميرة في علمها.
انتقل الحاج موسى مع ابنته إلى القاهرة من أجل تعليمها، واشترى ببعض أمواله فندقاً بالحسين حتى يستثمر أمواله في الحياة القاهرية، والتحقت سميرة بمدرسة “قصر الشوق” الإبتدائية ثم بمدرسة “بنات الأشراف” الثانوية الخاصة والتي قامت على تأسيسها وإدارتها نبوية موسى، حصدت الطالبة سميرة الجوائز الأولى في جميع مراحل تعليمها، فقد كانت الأولى على شهادة التوجيهية عام 1935.
ألفت سميرة موسى كتاباً في الجبر وعمرها 16 سنة (الجبر الحديث) أهدته الى استاذها الفاضل محمد افندي حلمي، وطبع منه ابوها 300 نسخة على حسابه الخاص إيمانًا منه بتفوق ابنته.
لبست سميرة الرداء الأبيض، والتحقت بكلية العلوم، في وقت كان فيه أقصى حلم للفتاة أن تلتحق بكلية الآداب، لفتت نظر أستاذها الدكتور علي مشرفة، أول مصري يتولى عمادة كلية العلوم ، وكان د. علي مشرفة البطل الثاني في حياة سميرة موسى، وأثرت عبقريته في شخصيتها وحياتها الإجتماعية والعلمية، حصلت سميرة على بكالوريوس العلوم وكانت الأولى على دفعتها، وعينت أول معيدة بكلية العلوم وذلك بفضل جهود د.علي الذي دافع عن تعيينها بشدة.
عملت د. سميرة على إنشاء هيئة الطاقة الذرية، وتنظيم مؤتمر الذرة من أجل السلام الذي استضافته كلية العلوم وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم، لقد كانت تأمل أن تسخر الذرة لخير الإنسان وتقتحم مجال العلاج الطبي حيث كانت تقول “أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الإسبرين” ونزلت متطوعة للخدمة في مستشفيات القصر العيني؛ للمساعدة في علاج المرضى بالمجان.
تفاصيل ما قبل حادث الاغتيال:
“قرارا سريا كان قد صدر بأن لا تعود وإذا عادت فلتعد جثة هامدة في تابوت”
في اغسطس 1952 في ذلك الوقت كان العالم لا يزال مفزوعا، محروقا بإشعاع القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما ونجازاكي، وفي ذلك الوقت أيضا كان الإسرائيليون يخشون السلطة الثورية الجديدة التي استولت على الحكم في مصر قبل حوالي 3 أسابيع، إن كل هذه التغيرات ساهمت في سرعة التخلص من سميرة موسى، ومن كل عالم يمكن أن يؤمن بلاده بقنبلة نووية، ويمكن أن نعتبر سميرة موسى أول الضحايا في مسلسل دموي شرس.
راح ضحيته 146 عالم ذرة في دول العالم الثالث في الفترة من عام 1959 الى عام 1985، على رأسهم الهند وباكستان وجنوب أفريقيا ومصر، حسب إحصائيات لوكالة الطاقة الذرية في فيينا، فإن 98% من الضحايا قتلوا خارج بلادهم ولم يعرف الجناة، 92% تلقوا عروضا للعمل في دول أكثر تقدما في البحث العلمي من بلادهم، ولكنهم رفضوا ونصفهم على الأقل مات بالرصاص، أما النصف الآخر فقد قتل بوسائل متنوعة، حادث سيارة، تفجير بيته عن بعد، وفي معظم الحالات لم تطلب دول الضحايا تحقيقًا أو تعويضًا بل كانت تفضل عدم الكشف عن الجناة ولا فتح القضايا لأسباب بدت فيها السياسة الخارجية أكثر تأثيرا عليها من السياسة الداخلية.