كلام رجالة

كيف كانت التربية قديمًا وماذا تغير فيها حديثًا؟

تعد التربية من العناصر الأساسية التي يقوم بها الأبوين، وتقييم المجتمع لأخلاق الأبناء يرجع في النهاية إلى تربية الأبوين، كما أن تربية الطفل تثير حتمًا مسألة الأعراف والمعتقدات التي يحاول المجتمع فرضها، فإنه من بين الوسائل الأساسية لنقل هذه القواعد والمعتقدات.

وظهر في الفترة الأخيرة ما يعرف ب “التربية الحديثة” مما جعل الأمهات والآباء يبدأن في استشارة الطبيب عن كيفية تربية أولادهم على نظام الأساليب الحديثة.

بعضًا من فلسفات التربية الحديثة:

التربية الإيجابية: 

هذا التوجه التربوي مبني على أحد أحدث فروع علم النفس، وهو علم النفس الإيجابي، القائم في الأساس على دراسة نفسية حول جوهر السعادة البشرية ومدى تحققها وفاعليتها، هذا العلم أكثر اهتمامًا بالتطلع إلى المستقبل بدلًا من الأسف على الماضي.

ويركز على الأهداف والقدرات بدلًا من التركيز على الصدمة والألم، يمكننا القول إنه يركز على بناء ونمو الإنسان أكثر من تركيزه على إصلاح ما مضى من حياته.

لا تعد التربية الإيجابية علمًا في ذاتها ولكنها فلسفة تربوية مبنية على علم النفس الإيجابي، وتتمحور حول الدعم الذي يقدم للأطفال ويغذي احترامهم الذاتي لأنفسهم وقدراتهم وإعدادهم للوصول لأفضل نسخة من أنفسهم، ولكي يحدث هذا على المربي أن يقلل من طموحاته الشخصية بوعي.

ثم يقدم الدعم والمساعدة للطفل ليعثر هو بنفسه على إمكاناته وقدراته، ويوجه المربي الطفل ولكنه لا يعلمه، فيستبدل الوعظ والمحاضرات التربوية بالقواعد المرنة وأدوات مساعدة مثل العصف الذهني، إقرار المشاعر والروتين اليومي.

التربية بالارتباط: 

أنشأ هذا التوجه التربوي أستاذ في طب الأطفال وهو الدكتور ويليام سيرز  William Sears وهو يستند على دراسات عن سلوك الانفصال المبكر للطفل التي أقامها الطبيب النفسي جون بولبي John Bowlby في القرن الماضي.

التربية بالارتباط عبارة عن تعزيز الرابطة النفسية والعاطفية بين الطفل ومقدمي الرعاية له، وتنص على أنه إذا تمت الاستجابة بشكل سريع ووافٍ لاحتياجات الطفل الجسدية والعاطفية فمن المرجح أن يبني الطفل موقفًا إيجابيًا للحياة ويؤمن أنه مقبول ومحبوب، وأن العالم مكان جيد ويمكن الوثوق بالناس.

وحجر الأساس في التربية الحديثة هو أن يجد الطفل الأمان العاطفي والوجودي لينمو بشكل سليم، تلك الفلسفة تتعارض بشدة مع قواعد ومبادئ التربية القديمة، لترى أنك بتلك الطريقة وأسلوب المعاملة ستخرج طفل مدلل ومتعالي.

التربية المتأنية: 

من كتاب كارل أونوري Carl Honorè (تحت الضغط: إنقاذ أطفالنا من ثقافة فرط التربية)، وكان المقصود هنا لا يعني القيام بكل شيء بوتيرة بطيئة بل القيام بكل شيء بالوتيرة المناسبة له، والتركيز على جودة الرعاية المقدمة لا على مقدارها، من هنا جاءت فكرة التربية المتأنية.

والهدف من التربية المتأنية هو إيجاد مساحة للأطفال للاعتناء بمصالحهم الخاصة، وبالتالي النمو كما ينبغي لهم دون ضغوط، هذا يحدث عن طريق عدة استراتيجيات مثل التأكد دائمًا من أريحية الجداول الزمنية للعائلة، وقابلية التراجع للخلف خطوة للسماح للأطفال بأخذ بعض المخاطر وحدهم تدريجيًا، واستخدام الموارد الطبيعية والأدوات البسيطة بدلًا من الشاشات والألعاب المتطورة في التعلم واللعب.

الفرق بين التربية القديمة والحديثة: 

إن كان هناك عامل مشترك يجمع ما بين الفلسفات التربوية الحديثة فهو احترام إنسانية الطفل وحقه في تلقي القبول والحب إحساسًا وتصريحًا دون شروط، وإعطائه الحرية اللازمة لنموه الفطري مع تحمل مسؤوليته الشخصية على حسب مرحلته العمرية لتطوره ولإمكانية مهاراته، وذلك من خلال التركيز على قوة العلاقة بين الطفل والقائم على رعايته بما فيها من حب واقتداء واحترام مما يبني دافعًا ذاتيًا لدى الطفل لأن يهذب ذاته باستمرار حتى وإن ذهبت الرقابة عنه لبعض الوقت، فالمربي يغرس ويزرع البذرة ثم يرعاها.

أما المدارس القديمة في التربية فهي تركز على السلوك السيء، وتحاول تعليم الطفل الصواب والخطأ من خلال سوء تصرفه، والوسائل المتبعة لإتمام عملية التعليم تتضمن الوصم والسب والتهديد والتعدي اللفظي والبدني، والتعامل مع السلوك السيئ بسلوك سيئ من المربي أيضًا، وكل هذا مغلف تحت ستار «التربية» ولكن تلك الأدوات كلها قائمة على الخوف، إما من المربي أو من العقوبة مما يؤدي لاختلال المنظومة الأخلاقية الذاتية لدى الطفل، فبدلًا من أن يبذل الجهد من قبل الطفل لتطوير النفس فإنه يبذل من أجل تلقي الرضا أو الهرب من العقوبة، ويمكن وضع عنوان للتوجه التربوي للمدارس القديمة وهو (الحصاد) فالمربي دائمًا يتعجل الحصاد حتى وإن لم يقدم الرعاية المطلوبة للإنبات فهو يستمر في زجر النبتة لتخرج له ثمارها وفي النهاية لا ينال شيئًا.

اقرأ أيضًا: 10 نصائح لحياة زوجية سعيدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى