“حسام مهيب”.. رائد الرسوم المتحركة في مصر والعالم العربي
في ستينيات القرن الماضي، احتلت الفنون المصرية مكانة هامة وفريدة في العالم العربي، فنجحت في تقديم أفلام سنيمائية عظيمة، وأغنيات استثنائية، لازال صداها يتردد حتى هذه اللحظة.
كما أنشئ أول استديو متخصص لإنتاج الرسوم المتحركة، وهو استديو “مهيب”، الذي أسسه الأخوان علي وحسام مهيب، فعرف الأخير برائد التصوير وإخراج الرسوم المتحركة، والخدع السنيمائية في مصر والوطن العربي.
حسام الدين مهيب
ولد حسام مهيب في 23 فبراير 1930 في مدينة السويس، في بيت منظم وعائلة تقدس الدقة والانضباط، ومن بين الأقلام التي حملها في حقيبته، كانت إحداهما تخطو أولى خطواتها بين أصابعه، نحو شغفه المخبأ “الرسم”.
ولكن كانت نظرة المجتمع آنذاك للفنون، أنها بلا قيمة على الإطلاق، فرفض والده التحاقه بمدرسة الفنون الجميلة العليا في الزمالك، وبعد جدال دام طويلًا، رضخ حسام لرغبة العائلة والتحق بكلية الحقوق جامعة فاروق الأول، “جامعة القاهرة” حاليًا.
كما كان “صلاح جاهين” و “بليغ حمدي”، ضمن أحد زملائه في تلك المرحلة، وكان لهم الفضل في حث حسام مهيب على مواصلة شغفه وتحقيق أحلامه.
وبالتزامن مع تلك الفترة التي قضاها حسام بين جدران كلية الحقوق، أنهى أخيه “علي مهيب” دراسته الثانوية، ولكن طالته هواية الرسم أيضًا بشغف وموهبة لا تضاهى.
حتى وافق والده على التحاقه بكلية الفنون الجميلة، نظرًا لما حدث مع شقيقه حسام ومأساة ابتعاده عن حلمه، وعلى الرغم من ابتعاد الأخير عن هواية الرسم، إلا أن الفن لاحقه من جديد، فعشق التصوير، وابتاع كاميرا صغيرة لم تكن تفارقه أبدًا.
وبعد التخرج أصبح محاميًا، ثم عمل في وزارة الداخلية التي أرسلته بدورها إلى غزة، حيث قبض عليه من قبل الصهاينة في حرب 1956.
لكنه لم يبالي لذلك أبدًا، فأول ما جال بخاطره كاميرته الصغيرة خوفًا من أن تحطم، فينكسر قلبه وراءها، فصنع حفرة في أرضية غرفته، قبل مهاجمة الصهانية مكتبه، ودفنها بين التراب برونقها، بدلًا من أن تدعس بالأقدام وتدفن محطمة إلى قطع صغيرة، وفور الإفراج عنه، هرول مسرعًا إليها، لاستعادتها قبل العودة إلى الديار.
فن الرسوم المتحركة
في عام 1958، بدأ الأخوان حسام وعلي مهيب مرحلة تجارب، تجمع هوايتهم المشتركة في مجال الرسوم المتحركة، حيث كانت من أوائل التجارب في مصر على الإطلاق، وبرسم “علي” الشخصيات وتحريكها، وتولي “حسام” مهمة التصوير، اطلقوا فيلم “سقوط الملك فاروق” الذي لم تزد مدته عن 3 دقائق.
وفي مايو 1961، كان موعد الأخوين مع المهندس صلاح عامر، رئيس المؤسسة الهندسية للتلفزيون وبين يديهم نتاج هوايتهم وحبهم وتعلقهم بالفن، وبعد لحظات مرت طويلة على قلوبهم، عرض عليهم صلاح عامر تأسيس أول قسم للرسوم المتحركة في مصر والوطن العربي من شدة إعجابه وذهوله لما قدماه عائلة مهيب.
وبعد عملًا شاق وليال بلا نوم وجهد مستمر، أطلق الأخوين فيلم ” الخط الأبيض”، الذي هو مزيج من الرسوم المتحركة والتصوير الحي، حتى حصل الفيلم على الجائزة الأولى في مهرجان التلفزيون، وانطلقا نحو الشهرة والنجاح.
وفي عام 1966 سافر حسام الدين في بعثة من التلفزيون المصري إلى تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الغربية وانجلترا، لدراسة أحدث تقنيات التصوير والرسوم المتحركة، وبعد عودته حاولا الشقيقين تكرار تجربة فيلم الخط الأبيض، ولكن كانت البلاد تتأهب للحرب، الأمر الذي جعل من الامكانيات عائقًا، حتى غادر الأخوين التلفزيون المصري، وقررا بدء تجربة مستقلة تمامًا.
استديو مهيب
عام 1966 تأسس استديو مهيب، واعتبر أول استديو رسوم متحركة في مصر والعالم العربي، فخبرتهم في التلفزيون المصري، أدت إلى تطور الروح الإبداعية داخلهم، وزيادة إصرارهم، فتولى حسام مهيب مسؤولية الإدارة والتصوير، أما الجانب الفني والرسوم فكان من مسؤولية شقيقه علي مهيب.
كما تعاون استديو مهيب مع نخبة من الموسيقين والمخرجين آنذاك، حتى تربع على عرش الرسوم المتحركة والإعلانات رُغم الحروب التي اجتاحت البلاد حينها.
وكان الفيلم التسجيلي “السويس 73” إحدى أبرز أعمال استديو مهيب، فصور المأساة التي لحقت بمدينة السويس، إثر العدوان الاسرائيلي آنذاك، كما حصل على جوائز إخراج وصوت، واعتبر أهم أفلام التي صورها حسام مهيب.
تأثير إعلانات استديو مهيب على ثقافة الشعب المصري
أثرت إعلانات استديو مهيب على ثقافة وسلوكيات المشاهدين، لما قدمه من قضايا هامة يعاني منها الوطن العربي بأكمله، فحكاياته البسيطة في مناقشة الأفكار، عن طريق توظيف الرسوم المتحركة بشكل محترف، جعلت الشعب المصري يردد كلماته في الشوارع، وبين الأحاديث والنقاشات العائلية نظرًا لارتباطهم وتعلقهم بها.
وربما كانت حملات تنظيم الأسرة هي أبرز القضايا التي أثرت في ثقافة ووعي المواطنين، فلم يقتصر تأثير تلك الإعلانات على الستينات أو الثمنينات فقط، ولكن امتدت لسنوات طويل، حتى أثرت في أجيال مختلفة وثقافات متعددة.
فاعتبر حسام مهيب أول من مزج بين الرسوم والتصوير السنيمائي من خلال الكاميرا الأوكسبري، وأول من أدخل الكمبيوتر ليتعامل مع كاميرا الرسوم بتقنية الصورة الهوائية المجسمة، كما استخدمها في العديد من الإعلانات ومقدمات الأفلام.
كما كان مستشارًا فنيًا لشركات تصوير انجليزية، وتم انتخابه سنة 1979 عضوًا في جمعية التصوير والصوت والضوء في لندن، بالإضافة إلى كونه وكيلًا لشركة Neilson Hordell، في مصر والشرق الأوسط ومستشارًا لها في بداية السبعينات.
توفي رائد الرسوم المتحركة حسام مهيب يوم الأحد 26 مايو عام 1996 عن عمر يناهز 66 عامًا، ولكن لازالت أعمال استديو مهيب حية في ذاكرة المشاهدين، يأتي طيفها من حين لآخر عند الشعور بالحنين للماضي.
وإليكَ بعض من مقدمات أفلام استديو مهيبة:
- فيلم الثلاثة يحبونها سنة 1965.
- فيلم الخائنة سنة 1965.
- فيلم 3 لصوص سنة 1966.
- فيلم تفاحة آدم سنة 1966.
- فيلم أخطر رجل فى العالم سنة 1967.
- فيلم المخربون سنة 1967.
- فيلم السمان والخريف سنة 1967.
- فيلم الناس اللي جوه انتاج سنة 1969.
- فيلم عريس بنت الوزير سنة 1970.
- فيلم النمر الأسود سنة 1984، حيث استخدم فيه تقنية الصورة الهوائية المجسمة.
بعض الخدع السنيمائية التي قام بها حسام مهيب:
- فيلم السمان والخريف سنة 1967.
- فيلم عريس بنت الوزير سنة 1970.
- فيلم النمر الأسود سنة 1984.
- مسلسل كارتون “مشقاص سواح” 1979، واعتبر أول مسلسل كارتون عربي (مصرى-سعودي) مكون من 30 حلقة، تصوير حسام مهيب رسم وتحريك على مهيب.