التلوث يصيب 150 مليون شخص بأمراض نفسية.. كيف نتخطى ذلك في مصر؟
يمتاز كل عصر بسمات محددة، تجعله علامة قد لا تشبه غيره، وما نعيشه هذه الأيام من الانتشار المتزايد للاضطرابات النفسية، جعلها مشكلة عالمية تؤثر على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم كل عام.
عُنيت الكثير من الأبحاث النفسية بدراسة العوامل البيولوجية المساهمة في حدوث اضطرابات نفسية معينة. ومع ذلك، فشلت الدراسات الجينية في تفسير الاختلاف بينها، مما دفع البعض إلى القول بأن انتشار الاضطرابات مرتبط بعوامل كيميائية عصبية، جينية وبيئية مثل التلوث، وهو القضية التي تحتل مساحة كبرى على الأجندات الدولية، بدءا من قمم المناخ، ومرورا بالمشروعات الدولية الكبرى لدعم البدائل النظيفة، حرصا على صحة البشر.
يضعنا ذلك أمام سؤال: ما هي الصحة النفسية؟
بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية، فإن الصحة النفسية هي: “حالة من الرفاهية يدرك فيها الأفراد قدراتهم، ويمكنهم التعامل مع ضغوط الحياة العادية، والعمل بشكل منتج ومثمر، والمساهمة في رقي المجتمع سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا”، وتضيف منظمة الصحة العالمية أنه لا ينبغي النظر إلى الصحة النفسية على أنها مجرد فردٍ خالٍ من الاضطرابات النفسية.
التلوث والصحة النفسية/ العقلية:
بحسب مقال “كولي بينيت” في مدونة “أخبار الطب”، والذي عرض عددا متزايدا من الأبحاث، التي أوضحت الصلة المحتملة بين التلوث البيئي وزيادة الإصابة بالاضطرابات نفسية.
تشير “بينيت” إلى أن باحثين من الولايات المتحدة والدنمارك استطلعوا تأثير التعرض للتلوث على انتشار الاضطرابات النفسية بين المبحوثين. واستُخدمَت الدراسات القائمة على الملاحظة في كل منهما، وتضمنت تحليل العوامل البيئية مثل تلوث الهواء وعلاج الاضطرابات النفسية.
وتشير إلى أن الباحثين جمعوا معلومات التأمين في الفترة المُمتدة بين عامي 2003 و2013 لعددٍ بلغ 151 مليون شخص في الولايات المتحدة و1.4 مليون شخص في الدنمارك وذلك لحساب عدد الأشخاص الذين تم تشخيصهم بكلٍ من: “الفصام، والاضطراب ثنائي القطب، واضطراب الشخصية، ومرض باركنسون، والاكتئاب الكبير (الشديد) والصرع” في كل منطقة.
وتضيف أنه تم تحليل المعلومات المتعلقة بالمُناخ والراتب الذي يتقاضاه المبحوثون وعرقهم والكثافة السكانية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة؛ لتحديد ما إذا كان أي من العوامل يؤدي لزيادة أو انخفاض معدل انتشار كل اضطراب نفسي.
وتوضح “بينيت”، أن نتائج الدراسة توصلت إلى أن مواطني الدنمارك الذين عاشوا في مناطق شديدة التلوث خلال السنوات العشر الأولى من حياتهم كانوا أكثر عُرضةً للإصابة بالفُصام، والاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب، واضطرابات الشخصية. أما في الولايات المتحدة، فقد ارتبطت المناطق شديدة التلوث بالهواء بارتفاع معدل انتشار الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب مقارنةً بالمناطق الأقل تلوثًا.
ومن الملاحظ أنه على الرغم من الارتباط الملحوظ بين اضطرابات الصحة النفسية/ العقلية وتلوث الهواء، إلا أنَّ السبب المباشر لم يثبُت بعد. ونظرًا لطبيعة الدراسة، قد يكون هناك مجموعة متنوعة من العوامل المساهمة المؤثرة الأخرى التي لم يتم أخذها في الاعتبار، حيث لوحظ في البحث التكميلي وجود روابط بين هواء المناطق المأهولة وخطورة مشاكل الصحة النفسية/ العقلية عند الأطفال.
باحثون من قسم الإحصاء الحيوي وعلم الأوبئة في المركز الطبي لمستشفى الأطفال في سينسيناتي، بحثوا آثارَ التعرض قصير المدى لتلوث الهواء على شدة أو خطورة الاضطرابات النفسية في الأطفال، واكتشفوا أنَّ التعرض قصير المدى لـجسيمات “PM2.5″، التي تُشكل الضباب في الجو، وتدخل إلى الجهاز التنفسي للإنسان وتنفذ إلى رئتيه، مرتبط ٌ بتفاقم الاضطرابات النفسية للأطفال في مدة تتراوح من يوم إلى يومين بعد التعرض. حيث ظهر ذلك في زيادة عدد الزيارات إلى قسم طوارئ الأطفال بسبب مخاوف بشأن اضطراباتهم النفسية.
“بينيت” توضح أيضا أن النتائج ذكرت أنَّ الأطفال الذين يقيمون في المناطق البائسة أكثر عرضة لتأثيرات تلوث الهواء مقارنةً بالأطفال المقيمين في الأحياء الغنية، ما يزيد من معدلات القلق والانتحار، كما وجد الباحثون أن التعرض للتلوث الناتج عن المرور يؤدي إلى زيادة القلق العام.
البحث تضمن عمل رنين مغناطيسي للأطفال بعد التعرض لمستويات عالية من الهواء الملوث بعوادم السيارات، لاحظ الباحثون زيادة كبيرة في تركيز ميو- إينوزيتول، وزيادة أعراض القلق العام.
بالمثل، يمكننا القياس على الوضع في مصر، والذي لا يختلف كثيرا عن مثيله في العديد من البلدان الكبرى، فتجد عوادم السيارات والتلوث الضوضائي الناتج عن آلات التنبيه، يؤدي إلى التشتت والقلق وعدم التركيز، بحسب وزارة البيئة المصرية، التي تؤكد أن مستوى الضوضاء ارتفع كثيرا في السنوات الأخيرة، موضحة أن السبب في ذلك يعود للزيادة السكانية، وما ينتج عنها من تبعات سلبية.
تقرير وزارة البيئة أكد أن التلوث الضوضائي يرتفع في 12 ظهرا، و7 مساء، نتيجة لمرور النقل الثقيل، وعودة أوتوبيسات المصانع، مضيفة أن مستويات الضوضاء المسموح بها وفقا للقانون رقم 4 لسنة 1994، يبلغ 60 ديسيبل نهارا، و50 ليلا، والواقع يتجاوز تلك القيم بكثير.
إننا بحاجة إلى التوعية الإعلامية، وفي محيطنا بأهمية اللجوء إلى الطاقات النظيفة “الكهرباء، الشمس” حرصا على كوكب نقي، وحتى نقوم بدورنا تجاه قضايا المُناخ.. وهو ما يحتاج لتكاتف الجميع، فابدأ بنفسك الآن.