الاندماج النووي.. هل نشهد عصر نهاية الطاقة التقليدية؟
مع توجه العالم للطاقة النظيفة، والسعي لإيجاد مصادر بديلة، نجح مفاعل جيت في المملكة المتحدة في الوصول بالطاقة المندمجة عن طريق الاندماج النووي إلى 59 مليون جول في خلال خمس ثوان، وهو إنجاز حطم فيه الإنجاز السابق وبذلك يكون العلماء في طريقهم للتغلب علي المعوقات التي تقف أمام استخدام طاقة الاندماج النووي بشكل آمن.
للمزيد عن معرفة مهاية الاندماج النووي وكيف يعمل، يوضح الدكتور علي عبده، عالم الهندسة النووية بالولايات المتحدة الأمريكية، أن الاندماج النووي وحلم مصدر للطاقة لا ينضب، والبشر يسعون لاستخدام طاقات الطبيعة المختلفة لمساعدتهم على إنجاز الأعمال الشاقة والتي تعجز سواعدهم وقواهم عن القيام بها ولتسهيل حياتهم وراحتهم،
ومن صورها تسخير الإنسان البدائي للحيوانات ذات القدرة والقوة، التي تفوق قدرته لحرث الأرض وحمل الأثقال والتنقل علي ظهورها وزينة للتباهي باقتنائها إلى نار يوقدها بقطع الأشجار أو ماء يسخره لتسيير السفن والتنقل، ولإدارة نواعير المياه لري الأرض وغمرها بالماء إلى طاقة الرياح واستغلالها في تسيير السفن وإدارة طواحين الهواء العملاقة.
ويتابع عبده، أنه في عصور النهضة تم تسخير طاقة البخار وتوسع بنو البشر في استخدامها في مناحي شتي لخدمتهم والقيام على راحتهم، ومن وراء ذلك في العصر الحديث طاقة البترول والطاقة الشمسية والمد والجذر والطاقة الجوفية والطاقات الجديدة علي اتساع نطاقها، وكان للذرة نصيب الأسد في عصرنا الحالي، من حيث تعدد الاستخدامات في السلم والحرب والمصحوب في الأذهان ببطش قوتها وغطرستها وقسوتها وهيمنتها وتعاليها على من دونها من مصادر الطاقة الأخرى، لما شهده الناس بأم أعينهم من بطشها وعدم رحمتها ورحمة من أطلقها من عقالها وأخرجها من قمقمها في هيروشيما ونجازاكي.
وجه آخر للذرة:
ويتابع الدكتور علي عبده أن للذرة وجه آخر أليف غير الذي عهده الناس عنها من البطش والتنكيل، وجه عطوف حنون يستخدم لخدمة بني البشر في شتى مناحي الحياة، من توليد للطاقة إلى استخداماتها السلمية في الطب وعلاج مرضاهم وتشخيص عللهم والهندسة والعلوم والبيئة والزراعة والفنون وغيرها الكثير من مناحي الحياة.
ويؤكد أنه من أحدث وأرقى ما أنتجت قريحة البشر في هذا المضمار تسخير طاقة الاندماج النووي لتوليد الطاقة الكهربائية، أو تسخير الشمس على الأرض لتوليد طاقة نظيفة كما يقول المتخصصون، ومن أهم وأكبر ما اتفق عليه الفرقاء المتشاكسون في كرتنا الأرضية في مضمار العلم، دونا عن أي مضمار آخر هو هذا المولود العملاق في مجال توليد الطاقة عن طريق الاندماج النووي.
أكبر مفاعل اندماجي في العالم:
ويوضح العالم النووي، أنه يجري الآن العمل على قدم وساق للانتهاء من أعمال التشييد والبناء لأكبر مفاعل اندماجي في العالم في كداراتش بفرنسا “إيتر”
(The International Thermonuclear Experimental Reactor (ITER
وموقعه الإليكتروني من هنا.
ويمكنكم مشاهدة المفاعل الاندماجي التجريبي الدولي من هنا.
يشارك في هذا المشروع العملاق والذي تجاوزت تكاليف إنشائه حاجز العشرين مليار يورو كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا (انسحبت كندا من المشروع لعدم تمكنها من تحمل حصتها من تكاليف الإنشاء الباهظة)، والاتحاد الأوربي وروسيا والصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية وكل دولة مشاركة في تصميم جزء من أجزاء هذا المفاعل.
ما الفرق بين الانشطار النووي والاندماج النووي؟
الاندماج النووي على طرف نقيض من الانشطار النووي والمستخدم في المفاعلات النووية المنتشرة في عصرنا هذا منذ خمسينيات القرن المنصرم؛ فالانشطار النووي تنشطر فيه نواة اليورانيوم أو البلوتونيوم نتيجة قذفها بالنيوترونات وينتج عن ذلك نواتين جديدتين وعدد محدود من النيوترونات هذا بالإضافة إلى طاقة ممثلة في طاقة حركة الأنوية نواتج الانشطار والنتيوترونات المنطلقة منه.
هذه الطاقة ناجمة عن الطاقة المكافئة للفرق بين كتلة اليورانيوم والنيوترون الشاطر له ومجموع كتل نواتج الانشطار بالإضافة لكتل النيوترونات المنطلقة،(الطاقة المكافئة للكتلة تحسب بواسطة معادلة أينشتين الشهيرة E=MC2 )
أما في الاندماج النووي فتندمج ذرات الهيدروجين ونظائرها مثل الديوترونات والتريتيونات مع بعضهم البعض لتكوين أنوية أثقل منهما مثل الهيليوم مع انطلاق طاقة ناتجة عن فرق الطاقة المكافئة للفرق بين كتل مداخيل الاندماج ونواتجه، والاندماج النووي صعب التحكم فيه.
حيث نحتاج إلى طاقة احتواء للبلازما اللازمة لعملية الاندماج النووي، والتي تصل درجات حرارتها لعشرات بل ومئات الملايين من الدرجات المئوية وذلك لإعطاء طاقة كافية للأنوية موجبة الشحنة بالتغلب على قوى التنافر البينية الناتجة عن قانون كولوم للشحنات المتماثلة والتقارب فيما بينها حتي تتقارب من بعضها البعض بما يتسني للقوي النووية العظمى من جذبها سويا وإدماجها في أنوية أثقل من مدخلات الاندماج.
ما زال هناك الكثير من الجهد والعمل الدؤوب للتغلب علي مشاكل كثيرة بعضها يتعلق بفيزياء البلازما واحتوائها وعدم ثباتها وبعضها الآخر يتعلق بأمور هندسية من مثل إيجاد المواد المناسبة للبناء والتي ستتحمل هذه البيئة القارسة من حيث الحرارة والإشعاعات النووية.
مرحبا بعصر الطاقة النظيفة:
ما يميز الاندماج النووي أن الوقود المستخدم فيه وهو نظائر الهيدروجين متوافر في كل بحار العالم بصورة طبيعية واستخلاصه من الماء أمر سهل ميسور، كما أن الكمية المستخدمة لتوليد الكهرباء ضئيلة للغاية فكوب من هذه المادة يعطي طاقة آلاف الأطنان من الفحم.
امر آخر ومهم وهو بالمقارنة بالانشطار النووي؛ فالاندماج شبه منعدم النفايات النووية (هناك القليل منها ولكنها لا تقارن بنفايات الانشطار من حيث النشاطية الإشعاعية ولا عمر النصف لنوياتها)، ولذلك لن تكون لدينا المشكلات المصاحبة للانشطار من كيفية التخلص من النفايات الاشعاعية عالية الإشعاع وطويلة العمر والتي قد تصل لمئات الآلاف من السنين.
فرقتنا السياسة.. هل يجمعنا العلم؟
إذا قدر للإنسان التغلب علي مشكلات “إيتر” الفيزيقية والهندسية وبناء أول محطه نووية للاندماج النووي سيكون انتصارا بشريا فريدا قد ألهمه الله للبشر لتسخير قوى الطبيعة لخدمة البشرية جمعاء، وأخيرا وليس بآخر سيكون مجالا لجمع الفرقاء المتشاكسون الذين فرقتهم السياسة والأيديولوجيات والحروب.. يمكنكم مشاهدة تصور العمل من هنا.
اقرأ أيضًا: “الإشعاع النووي” تاريخ مظلم وآثار مفجعة