ريم السباعي
هل نظرت يوما إلى الحيوانات والطيور وتأملت أجسادها؟ هل فكرت في حكمة الله إذ خلق لهذا شعر، وهذا فراء، وذاك ريش؟! هل رأيت يوما حيوانا أو طائرا بلا ذيل؟! هل رأيت يوما إنسانا له ذيل؟! هل فكرت لماذا خلق الله للحيوان والطير ذيلا؟! هل فكرت في فائدة ذلك الذيل؟! هل فكرت لماذا لم يخلق الله للإنسان ذيلا؟!
لم أفكر يوما لماذا خلق الله أذيالا للحيوانات والطيور، ولم أكن أعلم سببا لذلك الذيل حتى قرأت رائعة “ابن طفيل” “حي بن يقظان” فعلمت أن الذيل هذا خلق لكي يستر عورة الحيوانات والطيور، ورأيت كيف إستطاع ذلك الطفل الصغير ربيب الظبية أن يدرك ذلك الأمر فيصنع من أوراق الأشجار لنفسه أول ساتر لعورته.
وربما أتت لابن طفيل تلك الفكرة من قول الله تعالى عن أدم وحواء حين ذاقا الشجرة التي حرمها عليهما:” فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة ” ثم طور “حي بن يقظان” ذلك الساتر ليكون من جلود وريش الحيوانات.
إذن فإن ستر العورة أمر لابد منه للحيوان والطير وليس للإنسان فقط، وهنا رحت أفكر أن الله عز وجل خلق للحيوان ذيلا ليستر عورته، وأمر الإنسان بستر العورة، فلماذا لم يخلق الله للإنسان ما يسترها به وهو القادر على كل شيء؟!
إن الحيوان والطير ليس لديه عقل يفكر ويدبر، يعي به كيف يستر عورته، لذا فإن الله عز وجل خلق له الذيل، ولكن الإنسان خلق بدون ذيل أو أي شيء آخر يستر عورته، ومن ثم حدد الله له تلك العورة وأمره بسترها، وذلك بعد أن خلق له العقل، إذن فلابد للإنسان أن يستخدم عقله في جميع شؤون حياته، فيفكر التفكير السليم ليصل إلى الطريق الصحيح، وليس الأمر في ستر العورة فقط، بل أيضا في دفاعه عن نفسه.
فقد ذكر ابن طفيل أن حي بن يقظان نظر إلى الحيوانات والطيور ليرى كيف تدافع عن نفسها، فرأى ذلك لديه أنياب حادة، وذاك له مخالب قوية، فنظر إلى نفسه فلم يجد ما يدافع به عن نفسه ضد أعدائه، فقام بصنع أدوات لذلك الغرض مما وجده من مواد متوفرة لديه في الطبيعة.
إذن فإن الله عز وجل خلق للحيوان والطير ما يدافع به عن نفسه أيضا، حتى الوردة فقد خلق لها الله الأشواك لتحميها، واللؤلؤة خلق لها الصدفة لتحميها، بينما الإنسان خلق له ما هو أكبر واقدر من ذلك وهو العقل، ذلك العقل الذي جعل ابن طفيل يصل ببطل قصته إلى حد الإيمان بوجود خالق واحد أحد، قوي قدير، عليم خبير، وهو لم يرى في حياته أي بشر، بل عاش حياته في الغابة بين الطيور والحيوانات.
عندما رأى البشر علم بأن عقله قد هداه إلى طريق الصواب، وهو طريق الايمان بالله، ولكنه فضل في النهاية عالمه الذي عاش فيه وحيدا، وذلك بسبب صراعات البشر وخاصة حول الأموال، فآثر حياته النقية البعيدة عن الصراعات.
إن الله عز وجل كرم الإنسان بالعقل وأظهر له طريق الشر وطريق الخير، حيث قال:” وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا (7) فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا (8)” ، فالإنسان العاقل وهو من يستخدم عقله ليسير في طريق الخير، والإنسان الذي يستخدم عقله بشكل خاطئ هو من يسلك سبيل الشر في الوصول إلى ما يريد، فهو بالنسبة له الطريق الأسهل والأقرب.
ومثال على ذلك السكين فهي أداة حادة تستخدم في التقطيع، فمن يستخدم عقله بشكل صحيح لا يجد لها استخدامات أخرى، بينما من يستخدم عقله بشكل خاطئ فتجده يستخدمها في قتل عدوه مثلا، فلقد رأى في ذلك السبيل اليسير للتخلص من شره، لذا فالحيوان لا يحاسب، والطير كذلك، بينما الإنسان يحاسب، لأنه منح العقل الذي يعطيه حرية الاختيار بين الخير والشر.
اقرأ أيضًا: دار في خاطري| فرحة لا تنسى
نبذة عن الكاتبة:
ريم السباعي
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب
صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها
للتواصل: