كاتب ومقال

دار في خاطري| ويأتي العيد بعد الأيام المنسية

بقلم: ريم السباعي

هل تخيلت يوما أنك تمتلك آلة الزمن؟! فماذا تفعل إذ وجدتها بين يديك؟! وإلى أي زمن ستذهب؟! وماذا إذا كانت لا تذهب إلا إلى مصر القديمة؟! أتذهب لترى كيف عاش المصريين القدماء؟! وإلى أي وقت تود الذهاب؟! لأيام عمل أم أيام أعياد؟!

إن حياة المصريين القدماء تتسم بالجد والعمل الدؤوب والاجتهاد، ولكنها أيضا مليئة بالأعياد والاحتفالات، فإذا عدنا بآلة الزمن إلى مثل هذه الأيام منذ أكثر من ستة آلاف عام لرأينا كيف يحتفل المصريين القدماء برأس السنة.

نعم! إن التقويم الشمسي الذي وضعه المصري القديم هو أقدم تقويم على وجه الأرض، وقد ارتبط ذلك التقويم بالزراعة، وتبدأ السنة القبطية في الأول من شهر توت والذي يوافق في السنة الميلادية الحادي عشر من شهر سبتمبر.

ولقد قسم المصري القديم العام إلى ثلاثة فصول، كل فصل مكون من أربعة أشهر، وهذا يعني أن العام مقسم إلى اثنى عشر شهر، والشهر مكون من ثلاثين يوما، يتبقى خمسة أيام غير مضافة إلى أي شهر وهي أيام النسيء، وتكون ستة أيام في السنة الكبيسة.

ولكن من أين أتت تلك الأسماء التي تطلق على شهور السنة الشمسية؟ إن المصري القديم قام بتسمية الشهور بأسماء الآلهة، فمثلا شهر توت هو نسبة للإله جحوتي إله الحكمة، وشهر هاتور هو نسبة للإلهة حتحور إلهة الحب والموسيقى والأمومة، وشهر أمشير هو نسبة للإله مخير إله الزوابع، والآن هيا بنا ننطلق بآلة الزمن لنحتفل مع المصريين القدماء بعيد رأس السنة، ومشاركتهم الفرحة والبهجة.

لقد انتهى شهر مسرى وبدأت الأيام المنسية، ماذا؟! نعم! إنها أيام النسيء، لقد بدأت الإجازة مع بداية هذه الأيام استعدادا للعيد، ما رأيكم أن نطلب من هذه الفتاة أن ترافقنا في رحلتنا؟ أعتقد أن هذا الجهاز الموجود بآلة الزمن باستطاعته تحويل لغتنا إلى اللغة المصرية القديمة والعكس.

تقول الفتاة اسمي نفرت، وأبلغ من العمر عشرة أعوام، لقد بدأت اليوم الأيام المنسية التي ننسى فيها كل الخلافات والمشاحنات لكي نبدأ العام الجديد بصفاء ونقاء، انظروا هذا بيتنا يتجمع الأهل لإعداد الفطائر استعدادا للعيد، وانظروا هناك هذا بيت جيراننا يستعدون لزواج ابنهم، وهنا أيضا يستعدون لزواج ابنتهم، إن في هذا العيد تكثر فيه الخطبة والزواج، لكي يبدأ الشريكين حياة جديدة مع بداية عام جديد، إن هذه الاستعدادات سوف تستمر حتى بداية العام الجديد.

ومع إشراقة شمس يوم الأول من توت قالت نفرت: هيا لنذهب إلى النيل لننتظر قدوم الموكب، إن في هذا الوقت يتجمع الناس ليروا هذا المشهد الرائع، ها هو القارب آت من بعيد ويحمل على متنه تمثال حتحور ويتقدمه الكهنة، أنصتوا! إن هذه هي الموسيقى الخاصة بالمناسبة، وهذا الغناء هو أناشيد دينية يصدح بها الكهنة ونحن نردد معهم حتى يصل القارب الذي يتهادى ببطء فوق صفحة النيل، ومن ثم يرفع الكهنة تمثال حتحور ليضعوه أعلى ذلك المعبد.

ما إن استقر تمثال حتحور في عليائه حتى راح يتبادل الجميع قوارير المياه المستديرة كدليل على بداية حياة جديدة تتجدد مع العام الجديد، ومن جديد تصطحبنا نفرت إلى الحدائق حيث الاحتفالات وتناول الطعام الذي هو عبارة عن بط وأوز وبعض الأسماك المجففة، وفي المساء نذهب برفقتها لنشاهد مراسم الزواج لدى العائلات التي لديها أبناء استعدوا للزواج.

وتستمر الاحتفالات بالعيد عدة أيام حتى تنتهي الإجازة ويعود المصريين القدماء إلى العمل من جديد بجد ونشاط، ونعود نحن إلى زمننا سالمين ويدور بأذهاننا أسئلة عديدة منها هل انتهى العمل بذلك التقويم الشمسي؟ا وهل انتهى الاحتفال بذلك اليوم بمرور الزمن؟!

إن العمل بذلك التقويم لم ينتهي، فكما كان في الماضي مرتبطا بالزراعة، فهو حتى الآن يستخدمه الفلاح المصري في المواسم الزراعية، فهو الأنسب لذلك، أما الاحتفال بذلك اليوم فهو مستمر، فإن الأول من توت هو أول يوم في السنة القبطية، وتعتبر سنة ٢٨٤م هي أول سنة في التقويم القبطي أي أن عمره الآن ١٧٣٨ عام، ولماذا هذه السنة بالتحديد التي أختيرت لتكون بداية التقويم القبطي؟!

لأن ذلك العام هو عام الشهداء، ففي عهد الإمبراطور دقلديانوس اضطهد أقباط مصر وقتل منهم الكثير، وحتى الآن يحتفل الأقباط في ذلك اليوم بذكرى الشهداء، ومن الأطعمة المفضلة في هذا اليوم البلح الأحمر الذي يرمز لدماء الشهداء، والجوافة التي ترمز لقلوبهم البيضاء النقية.

إن الاحتفالات والاعياد بمصر على مر تاريخها كثيرة ومتنوعة، فما يميز المصري على مر الزمان هو البهجة والفرحة، وما أجمل أن تأتي السعادة بعد نسيان البغض والضغينة فتقام الأعياد.

اقرأ أيضًا: دار في خاطري| المال لا يشتري كل شيء

نبذة عن الكاتبة

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى