حكايات من شوارع مصر.. “معاذ” رسم آلاف “البورتريهات” وهذا هو حلمه!
في الطريق إلى جامعة القاهرة، ازدحم المكان بالكثيرين، وسط ضجيج لا يهدأ، وأصوات لا تكاد معها تسمع من يتحدث إليك، على الجانب الآخر، كانت هناك أنامل ذهبية، تبدع في صمت، لا تنتبه للمارة، رغم تعلق العيون بما يفعله!
تعلقت عيون الفنان الصغير “معاذ أحمد” بصورة يرسمها، يبرز ملامح عينين نجلاوين، يرسم شعرا ينساب على وجنة ناصعة، تكشف عن أسنان اصطفت كما اللؤلؤ، يحرك قلمه بخطوط تجعل الأوراق التي تعلقت على حامل خشبي بسيط تنطق بالإبداع، الذي يجذب الأنظار إليه، لتقف متأملا بديع موهبة منحها الله إياه.
تأملت لوحات يعلقها على مرسمه الصغير، ما بين صورة لأنجلينا جولي، وثانية، لواحدة من عائلته، وثالثة لواحدة ممن وثقن في موهبته، فمنحنه الوقت وقليل المال ليحتفظ لهن بصورة سيغيرها مرور الزمن، شئنا أم أبينا.
في جعبته الكثير من الحكايات، وهذه عادة المبدعين في كل مكان، ربنا حمل تلك الحكايات والقصص جنبا إلى جنب مع أقلامه وفرش الرسم، ليكونا صديقا الحل والتَرحال في رحلة مستمرة -في المكان ذاته- منذ أن كان طفلا لم يتجاوز الخامسة بعد، وكان الحديث طريقا لندلف إلى عالمه الخاص.
يقول معاذ ابن الخامسة عشرة، إنه نشأ في محافظة الجيزة، غير أنه يقيم الآن في المعادي، ويستكمل حكايته التي تنساب مع خطوط أقلامه وفرشه، ليحكي عن مدرسته الإعدادية التي يدرس في آخر أعوامها هذا العام، يتحدث بابتسامه عريضة عن أصدقائه وكيف يعرفون موهبته في المدرسة، وتطويع تلك الموهبة لتصبح مصدر رزقه أيضا.
اقتربنا من عالم ذلك الفتى نسأله عن مصدر إبداعه، لتأتي الإجابة: “أختي الكبرى”، ما أكثر الديون التي لا يمكن سدادها، وما أعظمها حين تكشف لك مواطن قوتك وفرص تميزك، وهكذا كانت تلك الفرص التي أخرجت طاقة الإبداع، لنرى هذا الابداع والجمال، لنجد فتي مصريا ينظر إلى أعمال “بيكاسو” ويضع أمام ناظريه حلما يطارده بصبر وثقة.
اقتربنا من نافذة الأحلام، لنبدأ حديثا عن أحلام ذلك الفنان الصغير، الذي يسعى لأن يلتحق بكلية الفنون التطبيقية، ليلتقي بمن يساعده على تنمية مهاراته وصقل موهبته بصورة أكبر.. تبدأ النجاحات بحلم، كما نرى البذرة تطرح ألوان الثمار، وهكذا يعمل “معاذ” لتحقيق حلمه بالعمل والسعي.
تتوقف عقارب الساعة حين سألناه عن أول مرة جرب أن يرسم ويحب ما يفعله، فكأنما ركب آلة الزمن، حين كان طفلا في عمر 4 سنوات، وهو يجرب الرسم على الكرتون.. طريق صعب ولكنه مفتاح العبور إلى عالم يعشقه، فيجرب الرسم باستخدام ألوان الزيت، وباستخدام مواد متنوعة، ليصبح الآن رساما بارعا في سن صغيرة.
لم تُعقه الموهبة عن مذاكرة دروسة وحضور المراجعات وتحقيق حلمه، لكن “معاذ” الذي يؤمن بما يفعله حريص على الاستيقاظ مبكرا لحضوره دروسه ومذاكرتها وبعدها ينطلق إلى عالمه السحري، الذي يجعله يحلق فوق سماوات الإبداع والموهبة.
ما بين “حرام ترسم صور لناس حية” إلى “الله ينور يا فنان” يُمضي يومه أمام أسوار جامعة القاهرة العريقة، متشبثا ببقايا أمل وحلم كبيرا رسمه في خيالاته، كما رسم الآلاف من الأشخاص الذين يزورونه مرات ومرات لتحيته أو ليحتفظوا بمشهد آخر من رحلة العمر، قبل أن تبدده التجاعيد!
لا تتوقف حكايات المبدعين في شوارع المحروسة ما بين شاعر ورسام وممثل وعالم وغيرهم، قصص لا يضيق بها كتاب الزمان، وروايات تؤكد أن الشدة تصقل تلك المواهب، وتجعل لبريقها رونقا كالذهب، لا يزيده مرور الأيام إلا نقاء وبهجة، فإلى لقاء جديد و”حكايات من شوارع مصر“.