الأعلى للثقافة يختتم ملتقى القاهرة الدولي السابع للتراث
اختتم المجلس الأعلى للثقافة ملتقى القاهرة الدولي السابع للتراث الثقافى غير المادى، دورة الدكتور أحمد مرسي؛ تحت عنوان: (التراث الثقافى غير المادى في العالم الإسلامى.. المشترك والمتنوع)، والذي نظمته لجنة التراث الثقافى غير المادي بالمجلس؛ حيث عقدت فعاليات المؤتمر تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني؛ وزيرة الثقافة، والدكتور هشام عزمي؛ الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، والدكتور سالم بن محمد المالك؛ المدير العام لمنظمة العالم الإسلامى للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو”.
وقد انعقد هذا المؤتمر فى إطار ختام الفعاليات الثقافية التي نظمتها جمهورية مصر العربية، احتفاءً باختيار القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية، واستمرت فعالياته على مدار يومى الأربعاء والخميس 8 و9 مارس الجارى، بمقر المجلس الأعلى للثقافة، بمشاركة أكثر من 80 باحثًا من 13 دولة، من بينها: مصر، الأردن، تشاد، تونس، الجزائر، المغرب، السعودية، العراق، الكويت، سلطنة عمان، لبنان، ليبيا، نيجيريا.
وقد طرحت فى المؤتمر عدة قضايا وملفات مهمة، تخص التراث المصرى والعربى والأفريقى، من خلال عشر جلسات بحثية، بالإضافة إلى مائدتين مستديرتين، مثل: الحكى الشعبى تراث مستمر، الاستشراق وتراث دول العالم الإسلامى غير المادى، الممارسات الاجتماعية والمعتقدات الشعبية واستدامة التراث، حيوية التراث الغنائى الشعبى فى دول العالم الإسلامى، دور منظمات المجتمع المدنى في صون التراث الثقافى غير المادى؛ بالإضافة إلى عدة فضايا أخرى تتعلق بالتراث المصرى والعربى والأفريقى.
وقد حملت هذه الدورة اسم الرائد الكبير الراحل: الأستاذ الدكتور أحمد مرسى، الذى فارق عالمنا منذ بضعة أشهر، تحديدًا فى شهر يوليو من العام المنصرم، وذلك تقديرًا له وعرفانًا لما قدمه من عطاء كبير للأدب الشعبى والتراث الشعبى عامة، مما جعله أبرز رواد هذا المجال عن استحقاق.
أشارت الدكتورة سوسن الشريف، إلى أن التنمية المستدامة معنية بتحسين ظروف المعيشة لكـل فـرد فـى المجتمـع، وتطوير وسائل الإنتاج وأساليبه، مع إدارتها بطرق لا تؤدي إلى أضرار سلبية على البيئة والاقتصاد، والمجتمع فى عمومه؛ وأيضا مراعاة تشغيل أهل البلد، ومعرفة أعمالهم وحـرفهم المحليـة، وتعظيم فئة العمال وترسيخها، وتقديمها بما يضمن تحقيق عائد اقتصادى، ومع العمل كذلك على إحيـاء التراث والمحافظة عليه، بما يسهم فى تحقيق الاستمرارية الإيجابية لعمل كل أطراف الحرف التقليدية، خاصةً فى الواحات.
أما الدكتورة آسية مغشوش، فقد أوضحت أن الخط العربى شهد منذ ظهوره وإلى يومنا هذا، تطورًا كبيرًا، وتنوعًا من حيث الشكل والطابع الجمالى؛ وهذا يعود إلى ما يزرعه الفنان من روح جمالية فى الخط العربى، تعبر بشـكل مباشر عن مدى رقى الحضارة الإسلامية. ثم تطرقت فى كلمتها إلى مراحل (الرقمنة) فن الخط العربى، وأهـم برامج الرقمنة المناسبة، والرؤى المستقبلية لها فى ظل توسع رقعة الرقمنة، وانحصار مجالات الخطاطين، وعزوف الفئة الشبابية عن ممارسة فن الخط.
وتناولت الدكتورة داليا مزهر مسألة التراث اللامادى منه والمادى، فيما يتعلق بموضوع الزواج، من حيث مظاهره وتجلياته، ومدى مراعاته للذاكرة الشعبية. ويعتبر هذا الموضوع محل اهتمام الجمعيات والمؤسسات التراثية كافة، من أجل الحفاظ على التنوع الثقـافى، خاصـة فـى المرحلة المعاصرة، لمواجهة مد العولمة المتزايد.
وأشارت الدكتورة إلى أن الزواج شهد تحولًا فى وظائفه، خاصة مع تراجع سلطة الأب، مع انتشار موجة الحداثة، ودعاوى التحضر العالمية، التى ترمى إلى تأكيد حقوق المرأة وإبراز دورها ودعم استقلالهـا بقراراتهـا؛ وهو ما انعكس على طقوس الزواج وقوانينـه، وأغانيـه التقليديـة الإسـلامية، لا سيما الأغانى والموسيقى التى أصبحت تميـل للطـابع الغربـى، فاكتسبت طابعًـا استشراقيًّا من جهة؛ وحافظت على كل ما هو تقليدى مترسـخ فـى الذاكرة الشـعبية والموروث الثقافى التراثى، من جهة أخرى.
وتناول الباحث أحمد سعد الدين عيـطة: سيرة بنى هلال، باعتبارها من الموضوعات الفولكلورية المُهمَّة؛ فهى السيرة الشعبية الوحيدة المُتبقية، وما زالت أشعارها تروى من قبل الشعراء والرواة حتى اليوم، من خلال فنون الأداء الإبداعى، وما تزال تتصدر قائمة الأنواع الغنائية الفولكلورية، ويرددها المُحترفون من الشعراء والرواة.
وقد رصد الباحث مظاهر تأثير الهلالية على المجتمعين المصرى والتونسى، خاصة فى جنوب البلدين؛ ومن أبرزها: القيم والأخلاقيات العامة، مثل: الكرم، والدفاع عن العِرض والشرف، والرفق بالنساء؛ ومن تلك المظاهر ما هو غير مرغوب فيه، مثل الافتخار بالأحساب والأنساب، والنفاق، وكذلك الحكمة المحفوظة؛ فعندما تنجب المرأة بنتًا، فإن منزلة هذه البنت ترتبط بالشخصيات البارزة فى السيرة الهلالية؛ حيث يفضل أن تكون فى مقام (الجازية)، وأن تكون في المرتبة العُليا من الجَمال، مع طول الشعر، والحكمة وحسن التدبير. وهذا يؤكد أن أفكار السيرة الهلالية مختزنة فى اللاوعى، حيث يشكل أبطالها الصورة المثلى لكل ما هو جميل وجليل. وتعتبر لغة السيرة الهلالية من أبرز مظاهر التأثيرات في الجنوب المصري والتونسي، حيث تبدو اللهجة فيهما أقرب إلى اللغة العربية الفصحى.
ومن مظاهر التأثيرات الهلالية على المأكل: (خُبزة المِلِّة)
و(الرفيسة) و(القنص). ومنها على الملبس: (الحولى)؛ ومنها أيضًا الوشم، الذى يعد من السمات المشتركة بين الجنوب المصرى والتونسى، بما يرمز إليه من قيم جمالية. ومن العادات والتقاليد التى توارثت عن الهلاليين: حُب الصحراء وركوب الخيل، وكذلك الألعاب الشعبية مثل لعبة “السيجة” فى مصر، والتى تشبه لعبة “الخربقة” فى تونس. وحُب الشعر وإنشاده أحد تلك المظاهر، فالسيرة الهلالية ليست مُجرد حلقات للتسلية، وإنما هى تعويض نفسى، يجسِّد من خلاله الرواة القيم الاجتماعية الغائبة؛ فلا شك فى أن تمسك الجمهور بالسيرة الهلالية يؤكد أنها عبَّرت عن انتماءاتهم القبلية، التى تفسر بقاء الهلالية فى صعيد مصر حتى الآن.
ومن جانبه أوضح الكاتب المسرحى محمد عبد الحافظ ناصف، ما وضعته مصر من سياسات وإجراءات تخص الصون العاجل لفن الأراجوز المصرى؛ حيث لعبت وزارة الثقافة المصرية ممثلة فى المركز القومي لثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة، دورًا مهمًّا فى صون الأراجوز، عقب صدور قرار اليونسكو بإدراجه على قائمة الصون العاجل فى 28 نوفمبر من عام 2018.
فقد بدأ المركز القومى لثقافـة الطفـل باتخـاذ عـدة إجـراءات لاستعادة الأراجوز المصرى والحضور الفاعل فى الثقافة الشعبية المصرية؛ ومنها: إطلاق الملتقى الأول للألراجوز والعرائس التقليدية عام 2019، كما يجرى الآن على قدمٍ وساق التجهيـز للملتقـى الخامس لفن الأراجوز، المقرر إطلاقه فى 28 نوفمبر القادم. وأوضح أنه تم بالفعل تدريب حوالى 50 لاعب أراجوز، من خلال مدرسة الأراجوز بالحديقة الثقافيـة، بعد أن تم إقناع ثلاثة لاعبين كبار من الثمانية المتبقين على قيد الحياة، بالبدء فى تعليم الأجيال الجديدة، وهـم ناصـر وعبـد التـواب ومحمـد عبـد الفتـاح وسـيد السويسى، فضلًا عن إصدار عدد من الكتب حول فن الأراجوز، لعدد من الباحثين الكبار؛ وقد نشرت بعض نصوص فن الأراجوز الجديدة لعدد من الكتاب، مثل أحمد زيدان وأحمـد جابر ومحمد ناصف وناصر عبد التواب، وغيرهم.
أما الباحثة نرمين عبد العليم، فقد دارت كلمتها حول تحديات بقاء الحرف الشعبية خاصة حرفة صناعة الدفوف الشعبية، وسط ما يشهده العالم الآن من تغيـرات ثقافيـة واجتماعيـة متسارعة، تمثل تحديات عاصفة تهدد التراث الثقافى للشعوب؛ مما يوجب ضرورة الحفـاظ علـى المهارات والإبداعات الإنسانية لمجتمعنا المصرى. وأشارت الدكتورة إلى أن المصرى القديم عرف الدفوف، واستخدمها بأشكال متعددة، كما صنعها بأحجام مختلفـة، وأدرجها ضمن شعائره وطقوسه، وبهذا شكلت عنصـرًا أساسـيًّا فـى الاحتفـالات الدينيـة والطقوس الجنائزية المصرية القديمة.
وقد استمر حضور الدفوف عبر الحقب الزمنية المتتالية، حتـى باتت ضمن الممارسات الشعبية؛ فصاحبت الشعراء والمغنـين الشـعبيين، كمـا ظهـرت فـى حلقات الذكر والاحتفالات الدينية عند الصـوفية، وارتبطـت باحتفـالات دورة الحيـاة؛ كحفلات الزواج وإنجاب الأطفال، وشغلت جانبًا مهمًّا ضمن المعتقـد الشـعبى المصرى فيما يخص طـرد الأرواح الشريرة، فكانت عنصرًا أساسيًا فى رقصات “الزار”. وحذرت الدكتورة فى مختتم حديثها، مما تواجهه حرفة صناعة الدفوف الشـعبية فى الوقـت الراهن؛ فهناك العديـد مـن المخاطر والتحديات التى تهدد هذه الصناعة وتعرضها للاندثار؛ ما لم تتضافر جهود المؤسسات المختصـة لـدعم هـذه الحرفـة وصـونها، ضـمانًا لبقائهـا واستمراريتها، باعتبارها تمثل أحد عناصر التراث الثقافى الأصيلة، المُميزة لهُوية مجتمعنا.
وأخيرا تحدث الدكتور وائل محمد المتولى حول الثقافة والعمران المصرى، من منظور عمليات التأثير والتأثر، باعتبارها من آليات استدامة التنمية؛ حيث أشار إلى كيفية تأثير أفكار الإنسان المصرى ومعتقداته وقيمه وتراثه، سواء جاءت كثقافة منفردة، أو مجتمعة، على شكل المسكن وعناصر بنائه، مما يقتضى إعادة قـراءة المضـمون الثقـافى غيـر المادى للمسكن المصرى، بالإضافة إلى وضع أُسس مستدامة للتنمية العمرانيـة فـيما يخص البيئات المصرية، اعتمادًا على المنظور الثقافي.