كاتب ومقال

دار في خاطري| لكل مشكلة حل

كتبت: ريم السباعي

ما أجمل إشراقة شمس الربيع الدافئة التي أتت لتبدد برد الشتاء بأشعة ذهبية ساحرة، ونسمات ربيعية رقيقة تداعب أوراق الأشجار، وبراعم الأزهار التي راحت تتفتح لتستقبل الحياة وهي في أبهى حلتها.

إن هذا المنظر الربيعي البديع هو للحديقة الغناء التي تحيط بالقصر الكبير لرجل أعمال ذي ثراء فاحش، لقد وعد بناته بأن يقضي برفقتهن أول أيام الربيع بين أزهار الحديقة.

نظر الرجل إلى بناته اللاتي انشغلن بمراقبة ومتابعة البراعم والأزهار المتفتحة حديثا، فرآهن كتلك الأزهار، براعم تتفتح لتستقبل الحياة، وكما الأزهار تتفتح في الربيع لترى الجمال الكوني وتزيده جمالا، فهن أيضا يتفتحن في حياة زاهية، يراها هو أفضل أيام حياته، فقد انتهت أيام الشقاء، وتحسنت أحواله المادية لتصبح في أحسن حال.

نظر الرجل إلى الأزهار اليانعة وقال لنفسه: إن هذه الأزهار سوف تذبلها حرارة الصيف، ثم تجف عند الخريف وتتساقط، ولن يبقى لها أثرا في الشتاء، ولكن هذا لا أتمناه لزهراتي اليانعات، فلا أريد لهن الذبول والسقوط إذا تبدلت بنا الأيام، وأصبح الحال غير الحال.

وعندئذ فكر في التحدث إليهن عن بدايته وكيف واجه المشكلات، وكيف أصبح لديه هذه الثروات الطائلة، فلعل حديثه يجعلهن يواجهن الحياة بصعوباتها، فعلى الرغم من أنه يخشى عليهن من الوقوع في أي مشكلة، أو الاصطدام بأي صعوبات، إلا أنه لا مناص من ذلك، فتلك هي الحياة صعوبات يواجهها المرء حينا يغلبها، وحينا تغلبه.

بدأ الرجل حديثه قائلا: إن هذا الطقس الصحو يذكرني بأول مرة خرجت فيها للعمل، كنت صغيرا، ولكنني كنت أحب ذلك العمل، فأنا من اختاره ، فقد كنت أبتاع تحف تذكارية وأبيعها للسائحين في المناطق الأثرية، وكم كانوا يحبونها كثيرا، ولكن فكرت كيف أكون مميزا بين الجميع؟! فابتكرت زيا خاصا، وحملت حقيبة كبيرة وضعت بها التحف، فكنت ألفت انتباه السائحين، وعندما ربحت بعض المال الذي وجدته فائض عن حاجتي، اشتريت كاميرا لأحتفظ بصوري مع أصدقائي الجدد، نعم! لقد كونت صداقات من مختلف الدول، وتعلمت لغات عدة، وطورت ذاتي فأصبحت أجيد التعامل مع البشر، فكان الجميع يحبونني، وأصبحت مميزا بينهم.

ربحت كثيرا من ذلك العمل، فكان ذلك نواة ثرواتي التي أصبحت أمتلكها الآن، سألت إحدى البنات: ألم تجد أي مشكلات في طريقك؟ قال الأب: وجدت الكثير بالتأكيد ولكن تغلبت عليها باليقين، فتعجبن البنات وتساءلن عن هذا اليقين، فقال: اليقين بأن لكل مشكلة حل، فليس هناك أي مشكلة بدون حل، فعليكن بالتفكير في أي مشكلة بهدوء وتروي، فلابد أن تجدن الحل المناسب لها، إن التفكير الذي يرافقه هدوء ويقين بإيجاد الحلول يجعلكن تصلن إلى القرار الصحيح، فالقلق والتوتر يدمران كل صواب، فبداية حل المشكلة يبدأ باستقبالها بهدوء وروية، ثم التفكير المنطقي.

فسألت أخرى: ومن أين يأتي هذا الهدوء؟ فقال: من الإيمان بأن كل شيء يحدث هو من عند الله، ومادام من عند الله فهو خير، ومادام خير فلابد ألا نحوله إلى شر، فلنفكر في الحل الأمثل الذي يبقي الخير خيرا، وهذا يجعلنا نواجه كل مشكلة، حتى الأعداء يمكننا مواجهتهم بهدوء وروية، فالابتسامة في وجه عدوك تقهره، وثباتك يزعزعه، وهدوء أعصابك يثير غضبه، وعندئذ يسهل عليك قهره، فهذا ما فعلته طوال حياتي، لذا فأنتن لم تشعرن بأي مشكلة واجهتها، والآن يبقى أمر واحد أريد اخباركن به، هو أن سر ثروتي يكمن في تجارة وحيدة من بين كل ما أقوم به، وهي تجارة لا كساد لها، وهي تجارتي مع الله، فكلما أعطاني الله من فضله، أخرجت في سبيله فزادني.

وهنا شعر الأب بارتياح كبير حين نظر الى بناته فعلم بأنهن أدركن مقصده، فلم يعد يخشى عليهن من ذبول وسقوط.

نبذة عن الكاتبة

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى