كلمة ورد غطاها| كذب الإبل الرقمي!
“كداب كدب الابل” هو تعبير نطلقه على الشخص معتاد الكذب المتظاهر بغير حقيقته وهو تعبير لا يُعرف أصله على وجه الدقة، ولكن يفسره البعض على أنه يعود إلى ما تقوم به الإبل أحيانا من الاجترار؛ أى إعادة مضغ الطعام فيظن المحيطين بهم أن المنطقة الموجودين بها تحتوى على طعام وهذا غير حقيقي على الإطلاق.
للأسف انطلق “كدب الابل” إلى العالم الرقمى، عالم شبكات التواصل الاجتماعى والذى وإن كان يستخدم للتواصل مع الأهل والأصدقاء والاطلاع على الأخبار وإبداء الآراء و خلافه، إلا أن تلك الشبكات تحتوى على الكثير من الزيف، فالكل يحاول أن يبدو أكثر سعادة وأكثر وسامة وحكمة وظرفا وعلما وتدينا أيضا، إلا أن الحقيقة لا تكون مثلما يحاول المستخدمون الإيحاء به على الإطلاق.
أعتقد أن الكثير منا يُصاب بالدهشة عندما يتجول في صفحات الأصدقاء و يقارن وجهة نظره المكونة نتيجة التفاعل الطبيعى في العالم الواقعى بتلك التي يحاول صاحبها تقديمها من خلال تلك التطبيقات في العالم الافتراضي والحقيقة أن محاولات الإنسان للتجمل هي محاولات مستمرة، فالكل يدعى الفضيلة ويدعى الشرف والرقة وخفة الدم، و يدعى أنه يتعرض للظلم من الآخرين، وهو ما تجده على صفحات الآخرين أيضا وهنا تسال نفسك “إذا كان الجميع مظلوما وإذا كان الجميع شريفا، فأين يوجد الأشرار؟!”.
محاولات التجمل نراها ويعانى منها العاملون في حقل استطلاعات الرأى العام، سواء تلك التي تتم من خلال المقابلات الشخصية أو من خلال التليفونات أو حتى من خلال الاستبيانات الإلكترونية على شبكة الإنترنت.
تخيل أنك تقوم بعمل استطلاع للرأي عن مدمنى الحشيش أو الكحول، أو عن عدد المرات التي قام أحدهم بالكذب فيها، في الغالب لن يجيب أحد الإجابة الصحيحة، ستجد الجميع يحاول أن يبدو بمظهر القديس، ولكن على الرغم من المناورات التي يقوم بها واضعو الأسئلة لكى يتمكنوا من انتزاع الحقيقة، إلا أن تلك المحاولات تفشل في أغلب الأحيان.
على الجانب الآخر ستجد هذا الشخص الذى يدعى الفضيلة، يقوم بالدخول على أحد محركات البحث-في الغالب جوجل- ليقوم بالبحث عن أضرار شرب الحشيش أو الاعراض الجانبية له أو عن الجرعة المناسبة، أو يقوم ببحث مشابه فيما يتعلق بالخمور وأنواعها وأسعارها وأماكن بيعها وخلافه، ومن هنا ومن خلال تحليل بيانات البحث عبر تلك المحركات يمكن التعرف على الخصائص والسمات والصفات والمشاعر والتصرفات التي يحاول الكثيرون إخفاءها.
يعد تحليل بيانات ما يقوم المستخدمون بالبحث عنه على شبكة الإنترنت هو الأقرب إلى الحقيقة، تعرف من خلالها أن عددا كبيرا من مدعيّ المثالية ليسوا كذلك، وأن عددا كبيرا من مدعيّ الاهتمام بقضايا مثل المساواة بين الجنسين أو قبول الآخر ليسوا كذلك أيضا.
إن خطورة تلك البيانات وتخزينها لكل مستخدم على حدةٍ، وكذا أيضا على مستوى الدول والمدن يمكن أن يرسم صورة جديدة للبشر مختلفة تماما عن محاولاتهم المستمرة للكذب مثلما يفعل الإبل.