الطلاق في معناه المعروف هو إنهاء الحياة الزوجية أو الارتباط الزوجي، ولكنه في مجتمعنا الشرقي كلمة مكروهة لما يترتب عليه من خراب للحياة الزوجية وخسائر لكلا الطرفين، ولكن أحيانا يكون الطلاق بداية الاستقرار النفسي وأحيانا يكون بداية لحياة جديدة لا نعلم تفاصيلها، ولكن الطلاق ليس بهذه البساطة لأن في كثير من حالات الطلاق يوجد أطفال يفقدون أبسط حقوقهم في التربية والنشئة السليمة، ولكن الاستمرار وتربية الأطفال في بيت مظلم خال من الحب والمودة والرحمة والتفاهم والهدوء فهو أشبه بالموت البطيء.
وقد زادت نسبة الطلاق في مجتمعنا عام 2021، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بنسبة لتصل إلى 14.7% خلال عام واحد، ومن الملحوظ في الآونة الأخيرة أن المرأة هي التي أصبحت تطلب الطلاق أكثر من الرجل، فما الذي تغير في مصر اجتماعيا؟ وما أسباب ارتفاع حالات الطلاق؟ وما تأثير الطلاق على حياة المرأة؟ وهل المرأة تقوم بالانفصال نفسيا قبل طلب الطلاق؟ وماذا يجب عليها أن تفعل بعد وقوع الطلاق لبدء حياة جديدة هي وأطفالها؟ كل هذه التساؤلات تدور بداخل كل امرأة تفكر في الطلاق أو وقع عليها الطلاق بالفعل..
فتقول مي محمد ربة منزل إن المرأة قد تطلب الطلاق، حال استحالة العشرة، إذا كانت مستقرة مادياً ولديها سكن، مضيفة أنه بالنسبة للأطفال فبطلاق أو بدون طلاق يتم تربيتهم، والذي يدفع المرأة إلى طلب الطلاق هو الإهمال والعنف، مؤكدة أنها تذكر هذه الأسباب بالتحديد لأنها تعاني منها وحالياً تقوم بتأمين نفسها مادياً حتى تطلب الطلاق.
بينما أوضحت بسنت السمري قائلة: “أنا أنفصلت مُنذ عامين ولم أندم على هذا القرار فالحياة التي تستمر تحت سقف واحد فقط لأجل الأطفال لا روح فيها ولا أمان”.
وأشارت إيناس طارق إلى أنها انفصلت منذ 3 سنوات ولكنها ندمت على خطوة الطلاق فوقع الطلاق ومعها طفلين وكانت حامل في الثالث، مضيفة: “بعد الطلاق رفض الإنفاق على أطفاله وأخذ مني ابني الكبير ورفض تسجيل المولود الجديد”، وما تزال حتى الآن بينها وبينه قضايا لنسب الطفل له واستخراج شهادة ميلاد له، فالطلاق كان حينها ليس القرار الصائب، قائلة: “إذا رجع بي الزمن سوف أستكمل حياتي معه ومع أطفالي الثلاثة”.
ومن جانبها أكدت أسماء محمد أنه في فترة من الفترات يكون الطلاق أمرا واقعا حتى وإن كان بدون صيغة، وهذا لا يمنع وجود اعتبارات مهمة للزوجة أهم من اعتبارات الزوج، مجرد كونها أم قادرة على التحمل أكبر من اعتبار كونها مجرد زوجة، فالبدايات دائما جميلة لكن من يستطيع التحمل وكالعادة المرأة هي التي تتحمل.
وأضافت أن الطلاق رزق لأنه يحتاج قدرة على احتمال تبعاته، وليس كل الناس لديها هذه القدرة، ولكن إذا كان هو السبيل الوحيد لأجل الأطفال ليعيشوا في بيئة سوية محترمة فإنها مع الطلاق، لكن لو استطاع الزوجان توفير بيت مستقر نوعاً ما من غير وقوع الطلاق فهذا يكون أفضل؛ لأن الأطفال هم الاختيار الأهم ودائما الأم هي التي تعرف الاختيار الأنسب.
ومن هنا كان لمنصة “كلمتنا” حوار مع خبراء نفسيين للإجابة عن هذه التساؤلات وتقديم بعض النصائح التي تفيد كل امرأة في هذة التجربة الشائكة “تجربة الطلاق”..
فتقول استشاري الصحة النفسية والكاتبة في الوعي الأنثوي “حنان عصمت”: “نحن نعيش في صحوة نسائية، فالمرأة أصبحت أكثر وعيا بحقوقها النفسية والاجتماعية والمادية مما ساعدها على رفض أي واقع مؤلم، وليس فقط رفض الواقع بل أصبحت المرأة أكثر جراءة في تغيير واقعها المؤلم، فقد أصبح لدينا في مصر حالة طلاق كل 117 ثانية أي أنه في أقل من دقيقتين تحدث حالة طلاق وذلك لعدة أسباب لعل أبرزها: أسباب اقتصادية وأسباب اجتماعية، وأصبحت المرأة “strong independent women” بالمعني السلبي وللأسف أصبح الكثير من الرجال يعتمد على عمل المرأة للمساعدة في احتياجات المنزل، فضلًا عن أسباب الانفتاح والسوشال الميديا وارتفاع حالات الخيانة من الطرفين مما يؤدي إلى ارتفاع حالات الطلاق”.
وأوضحت أن الطلاق لا يأتي مرة واحدة بل يمر بنحو 7 مراحل إن لم تعالج كل مرحلة وتناقش ولم يبذل الطرفين الجهد والرغبة في إصلاح العلاقة، سينتقل الأمر للمرحلة التالية حتى ينتهي الحال بهم منفصلين، أول مرحلة هي الانفصال الفكري فيصبح لكل شخص أفكاره وأهدافه وعالمه الخاص بعيداً عن شريك الحياة، ثاني مرحلة هي مرحلة الانفصال المعنوي عندما تبدأ المشاعر تتحول لغضب أو رفض مع الوقت فتدخل البغيضة والكراهية في النفوس ونلاحظ في هذه المرحلة ظهور الخرس الزواجي والطلاق العاطفي وللأسف بيوت كثيرة تعاني منه، فيوجد أزواج يعيشون تحت سقف واحد ولا علاقة بينهم، وذلك يأخذنا للمرحلة الثالثة وهي الانفصال الوجداني بمعنى أن كل طرف يعيش في عالمه الخاص، ولا يريد أن يقترب أو يشارك الآخر، فتختفي الاهتمامات المشتركة ويصبح لكل طرف أهدافه ورؤيته الخاصة في الحياة.
وأضافت أن ذلك يأخذنا للمرحلة الرابعة وهي الانفصال الجسدي فالعلاقة الزوجية تصبح عبئا ومللا وواجبا غير مرحب به فتزداد مساحة الانفصال بين الطرفين، ومن ثم تبدأ المرحلة الخامسة وهو الانفصال الرسمي حينها يقرر كل طرف في الابتعاد عن الآخر، ثم المرحلة السادسة الانفصال المادي وفيها تبدأ المرأة تبحث عن من يؤمن نفقاتها سواء من خلال العمل أو النفقه من الزوج، ثم المرحلة السابعة، وهي الانفصال النفسي وهنا تصبح مشاعر المرأة حياد فلا تشعر بالاحتياج إلى هذا الرجل ولا تشعر بأنها تنتمي إليه أو أن هذا الرجل يخصها أو له أهمية لديها، وتفقد الأنثي كل جاذبيتها أو أهميتها في حياة هذا الرجل، لذلك يجب أن تأخذ المرأة وقتها الكافي للتعافي من آثار الطلاق، وأن تعود إلى الحياة بكامل طاقتها وأن تعلم أن الطلاق ليس نهاية الكون، بل أحيانا يكون بداية ظهور نسخة أكثر جمالاً وصلابة نفسية للأنثى المطلقة.
وفي نفس السياق أكد استشاري الصحة النفسية “وليد هندي” أن الدولة المصرية هي الأعلى في حالات الطلاق على مستوى العالم، فنحن لا نعيش في عصر التوافق المادي ولا التوافق الوظيفي ولا التوافق الاجتماعي، فالبنت عندما تصل إلى سن 27 عاما، يعتبرها البعض قد دخلت في مرحلة العنوسة، فتُسيء اختيار شريك حياتها وهذا من أحد أسباب الطلاق أيضا.
ولذلك جاءت بعض حملات الأزهر الشريف من أجل التوعية بأسباب الطلاق ومخاطره على الأسرة خاصة بعد تزايد نسبه خلال الآونة الأخيرة، لتُسلط الضوء على أهم الأسباب وطرق العلاج، من أجل العمل على الحد من ارتفاع مُعدلات الطلاق.. فهل ننجح في رأب الصدع وبناء الجسور، أم يظل الطلاق نارا تلتهم الكثير من الأسر، ما يؤثر سلبا في المجتمع؟