كاتب ومقال

دار في خاطري| الجرح الدامي (الجزء الرابع)

في قسم الشرطة جلس نادر أمام المقدم صلاح يرتجف ويهذي بكلمات غريبة، فقال المقدم بحزم وصرامة: تمالك أعصابك إن كنت حقا متعبا، وإن لم تكن فحذاري، لماذا ادعيت عدم معرفتك بوصية عمك؟ قال نادر: أنا لا أعلم بأمرها، فقال: لقد أكدت السيدة دنيا معرفتك بها، لقد أخبرتني بأن عمك طلب من المحامي الاحتفاظ بنسخة منها معه، وهي من وضعتها بنفسها في الخزنة، ولقد وجدتها في غير مكانها داخل الخزنة، وهي على يقين بأن عمك لم يفتح الخزنة منذ أن وضعتها بها، توقف نادر عن التمثيل وقال بجدية: لقد ذهبت إلى عمي لأطلب منه المال، فلم يعطني شيئا، ولأن المبلغ الذي طلبته كان كبيرا فلم تحاول زوجته كعادتها إقناعه بأن يعطيني إياه، فخرجت من غرفة مكتبه غاضبا وغادرت البيت، ولكنني عدت بعد بضع دقائق لآخذ هاتفي الذي نسيته على المنضدة خارج مكتبه، فسمعته يقول لزوجته: ضعي هذه النوتة في الخزنة، إن عمي يحتفظ في خزنته بكل ما هو ثمين بالنسبة له، لذا فخزنته لا تحوي المال فقط، بل تحوي أيضا بعض النوتات الموسيقية، ومؤخرا علمت من زوجته أنه يضع أعداد المجلة التي تحوي حوارات مع الصحفية رانيا.

المهم أنني سمعت زوجته تقول: هل غيرت رقم الخزنة ثانية؟ فقال: لا! إنه نفسه الرقم الأخير، فصاحت به: لا أذكره، فقال الرقم بغضب فكان صوته عاليا، حفظت الرقم وعدت في اليوم التالي في الموعد الذي ذهب فيه عمي لإجراء تمرينات الحفل، وبينما كانت زوجته مشغولة في المطبخ برفقة نيللي، تسللت إلى مكتبه وفتحت الخزنة لآخذ المال الذي أردته، فوقع نظري على ظرف غريب الشكل، فدفعني الفضول لأعرف ماذا يحوي، فعندما رأيت الوصية شعرت بالخجل، فأعدتها وأغلقت الخزنة، وغادرت البيت ولم أسرق المال، ومضيت أتساءل هل عمي يحبني؟! لذا فقررت أن أفعل مثل تلك الأفعال الصبيانية كي أشعر بحب عمي لي رغم غضبه مني، ولقد أنكرت معرفتي بالوصية خشية أن تكون دليلا على إدانتي، اكتفى المحقق بتلك الكلمات ولم يسأله عن أي شيء آخر.

وفي اليوم التالي أتى إلى قسم الشرطة شخصا ليدلي بأقواله في قضية هادي رشوان، جلس الرجل أمام المقدم وقال: عبد الودود رشوان، دكتور بكلية العلوم قسم الكيمياء، ابن عم هادي رشوان، لقد كنت مسافرا قبل الحادث بيومين، وعدت بالأمس، ولقد سمعت بما حدث، قال المقدم: قلت أن لديك معلومات عن القضية، كيف وقد سافرت قبل وقوع الجريمة وعدت بالأمس؟! قال: لأن الحقيقة عندي، إن ما حدث ليس جريمة قتل، بل انتحار، قال المقدم: كيف ذلك؟! قال: إن لدي معملا بالبيت مجهزا بجميع الأدوات والمواد الكيميائية اللازمة لتجاربي، ولقد اكتشفت صباح اليوم اختفاء خمس جرامات من مادة ما، ولكن سرعان ما رأيت بلورات السم في سلة المهملات، فتعجبت مما حدث، وبتحليل ما وجدته في السلة التي كانت فارغة إلا منه، اكتشفت أنها ليست تلك المادة، إن هادي قرر الانتحار، ولكن ما لا أعلمه هو لماذا قرر خداعي؟! قال المقدم: من بإمكانه الدخول إلى معملك؟! قال: هادي فقط، كما أن هناك أمر آخر، فإذا دخل أحدهم إلى معملي لن يستطيع معرفة المواد الكيميائية إلا إذا كان لديه خبرة كبيرة بها، كما أنني لا أكتب على المواد الكيميائية أسمائها، بل أكتب على كل مادة صيغتها الكيميائية، وهادي فقط لديه خبرة كبيرة بها، فقد كان مولع بعلم الكيمياء، قال المقدم: ونادر ودنيا؟! قال: نادر! إنه شاب ليس لديه دراية بأي علم على الإطلاق، أما دنيا فقد كان علم الكيمياء أبعد ما يكون من عقلها، فقال المقدم: ماذا وجدت في السلة؟! قال: بلورات سكر.

بقلم:
ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى