صاحب فكرة تدمير خط بارليف بالمياه: لم أبُح بالسر إلا بعد 25 عاما
رضا الشويخي:
مساء الاثنين 2 أبريل من العام 2018، كان القدر يرتب لي هذا اللقاء دون أي مقدمات، أمامك اللواء باقي ذكي يوسف الذي كنا نسمع عنه أنه صاحب فكرة استخدام المياه في تحطيم خط بارليف ليكون أول بشائر النصر العظيم في أكتوبر من العام 1973، والذي يوافق العاشر من رمضان 1393 هجريًا.. ليأخذنا في رحلة عمرها 45 عاما وقتها..
وجه تكسوه سمرة لا تخطؤها عينك، ممتدة منذ عهد الفراعنة وحتى اليوم، ابتسامة ودودة تعلو وجهه ويجلس متكئا على عصاه وفي يده خاتم فضيّ.
من أين جاءت فكرة استخدام المياه لإزالة الساتر الترابي؟
ما إن سمع السؤال حتى أسند ظهره لكرسيه، وكأنما ركب آلة الزمن، ليأخذنا إلى أقصى جنوب البلاد وتبدأ الحكاية:
كنت ضابطا بسلاح المركبات خلال حرب الاستنزاف عام 1969، وكنا نستخدم المياه لإزالة جبال الرمال خلال إنشاء السد العالي، باستخدام مضخات المياه فائقة الدفع، والتي تقوم بتجريف الأتربة والرمال.
وقتها كانت الجبهة مشتعلة، وكانت إسرائيل تتباهى بخط بارليف وارتفاعه الذي يميل بزاوية يصعب معها تحرك أي معدات أو جنود، وبشكل خاص في ظل وجود خطوط النابالم الجاهزة للتخلص من أي محاولة للاقتراب من الساتر الترابي، المحصن بكافة التجهيزات من حقول ألغام ونقاط قوية تستطيع صد ومنع عبور أي دبابة”.
يضغط “اللواء باقي زكي” على عصاه بكلتا يديه ويكمل حديثا يستدعيه من ذاكرته وفي عينيه لمعة: “القيادة كانت تناقش موضوع الساتر، فاوصلت فكرة استخدام المضخات لقادة الجيش المصري، والذين قرروا على الفور تنفيذها، واتجه الرأي لتصنيع هذه المدافع المائية بالخارج وادعاء أن هذه المدافع سيتم استخدامها في إطفاء الحرائق”.
ألم يكن هناك قلق من اكتشاف الأمر أو عدم نجاحه؟
يتابع اللواء باقي حديثه بثقة: “قبل طلب المضخات جربنا مضخات أصغر في أماكن مختلفة، لنتأكد من نجاح الخطة، وبالفعل نجحت المدافع المائية في تسوية الساتر الترابي بالأرض وتسهيل عبور الجنود المصريين للقناة وتحقيق الانتصار العظيم”.
لماذا لم يظهر اسم اللواء باقي طول هذه السنوات؟
عقيدتنا في قواتنا المسلحة أن نحقق الانتصار، لا يهتم من ولا يهم الأسماء، لم أنطق بالسر إلا بعد 25 سنة من الحرب تقريبا، نجحنا أن نسلم الراية خفاقة للأجيال التي تلينا، مرفوعي الرأس وأن يكون كل شبر من أراضينا محررا، وهذا ما سيذكره التاريخ، فمصر هي الباقية.
كيف كان الشعور بعد نجاح الخطة؟
الشوارع في مصر كانت ترقص من الفرح بالنصر يكفي أننا محونا سنوات الهزيمة، وهو ما ظل كابوسا على أنفاسنا لسنوات ثقيلة، ولكن مع تنفيذ الخط في 6 أكتوبر 1973م، بدأت جحافل الجنود والمعدات تزحف لتحرير أرض سيناء الغالية.
رحيل مشرف وتكريم مستحق:
رحل اللواء باقي زكي يوسف في في ٢٣ يوليو 2018م، ليترك سيرة كتبت أحرفها من نور، ويبقى اسمه علامة بارزة في تاريخ العسكرية المصرية، نتذكرها مع انتصار السادس من أكتوبر، العاشر من رمضان 1939هجريا. وتم تكريمه بنوط الجمهورية من الطبقة الأولى على أعماله الاستثنائية فى حرب أكتوبر، حيث رحل شيعت جنازته من كنيسة مارمرقس” كليوباترا بمصر الجديدة.
ماذا قالوا عنه:
في مقدمة برنامجه “الطبعة الأولى”، المذاع على قناة “دريم”، قال الإعلامي أحمد المسلماني: “إن اللواء باقي زكي هو أحد تلاميذ العالم إسحق نيوتن، صاحب قانون الجاذبية، وأبو العلوم المعاصرة؛ تعلم من نظريات نيوتن كيف يهدم خط بارليف، الذي كان يحتاج لقنبلة نووية لهدمه في حرب أكتوبر”.
نعته الكنيسة القبطية المصرية الأرثوذكسية وعلى رأسها قداسة البابا تواضروس الثاني: “إنه سيذكر التاريخ والوطن حفيد مهندسي مصر العظام بناة الأهرام وصانعي الحضارة والإرث الإبداعي الكبير، عالمين وواثقين أن لأمانة اللواء مهندس باقي زكي يوسف في عمله مكافأة ومجازاة لدى الله في ملكوت السماوات”.
تكريم الرئيس السيسي:
خلال فعاليات الندوة التثقيفية الـ29 للقوات المسلحة، والتي عقدت في 11 أكتوبر من العام 2018، تحت عنوان “أكتوبر تواصل الأجيال”، كرّم الرئيس عبدالفتاح السيسي، اسم البطل اللواء أركان حرب المهندس باقي زكي يوسف؛ حيث تسلمت قرينته درع التكريم..كما أطلق مجلس الوزراء اسم اللواء باقي زكى يوسف على نفق التسعين بالقاهرة الجديدة.