دار في خاطري| قبل العيد
إن اليوم هو آخر أيام شهر رمضان، وكعادتنا أعددنا كل شيء للاحتفال بعيد الفطر المبارك في قريتنا الجميلة، سوف تجتمع العائلة اليوم في بيت جدي وجدتي، ذلك البيت الريفي الصغير الذي ينبض دائما بالحياة ويملأه الدفئ.
وصلنا قبل آذان المغرب بنصف ساعة، فقد كنا آخر الحاضرين، فسلمنا على جدي وجدتي وجميع أفراد العائلة، ورحنا نتبادل التهاني والأمنيات، وبعد تناول الإفطار قالت جدتي أن لدينا أعمال كثيرة، فهي لم تستطع خبز الكعك والبسكويت كما كانت تفعل كل عام، ولذلك فعلينا أن نساعدها في إعداده، وافقنا بكل ترحاب وذهبنا برفقتها لإعداد الكعك والبسكويت وجميع مخبوزات العيد اللذيذة.
عندما نظرت إلى كمية الدقيق التي أحضرته جدتي ظننت أننا لن ننتهي قبل أربعة أيام، وفي اللحظة ذاتها التي فكرت فيها في الأمر قالت جدتي: لابد أن ننهي عملنا قبل الفجر، فقادني الفضول لأن أسألها كم من الوقت كانت تحتاج لخبز تلك الكمية من الدقيق؟ فقالت: كنت أخبزها وحدي في ثلاثة أيام، لم تغير هذه الإجابة شيئا من ظني في أننا لن ننتهي قبل أربعة أيام، فأنا أعلم أن جدتي سريعة ونشيطة تنجز أعمالها في وقت قصير، ولكن لم أفقد الأمل في أننا سوف ننهي كل شيء قبل الفجر.
بدأنا جميعا في العمل على أنغام أغاني العيد الجميلة، بدأنا بالكعك، ثم الغريبة، وعندما حان وقت البسكويت قالت أختي: أريد بسكويت بالكاكاو، وقالت ابنة خالتي: وأنا أريده بجوز الهند، وقلت: أنا أحبه بالقرفة، وابنة خالي أرادت بسكويت بالبرتقال، وهنا اقترحت جدتي أن تعد كل منا البسكويت التي تفضله، وتشكيله بشكل مميز يروق لها، فوافقنا ورحنا نتنافس في تشكيله.
انهينا كل شيء قبل الفجر بساعة واحدة، طلبت منا جدتي النوم حتى الفجر، ولكننا آثرنا اللعب، وراحت كل واحدة منا تجهز فستان العيد، والحذاء، والشنطة، وكنت قد أحضرت معي كيسا كبيرا مملوء بالبالونات المختلفة الأشكال والأحجام والألوان، فقمنا بنفخها، وتزيين البيت ببعضها، وتركنا البعض الآخر لنلعب ونلهو به.
أذن الله بميلاد أول أيام العيد، وذهب جدي لرفع آذان الفجر، فهو مؤذن وإمام مسجد القرية، وبعد صلاة الفجر عدنا إلى البيت ونحن نردد تكبيرات العيد بصوت عال.
وصلنا إلى البيت فقامت جدتي بحلب الأبقار وأعدت لنا أكواب الحليب وقدمتها لنا إلى جانب البسكويت وقالت: بعد العودة من صلاة العيد سوف نعد إفطارا لذيذا، كنا جميعا نعرف ذلك الإفطار الذي اعتادت جدتي إعداده لنا في أول أيام عيد الفطر.
ذهبنا لصلاة العيد، فأمنا جدي في الصلاة، ثم ألقى علينا خطبة العيد، وبعدها ذهبنا نحن الأطفال وسرنا في طرقات القرية ونحن نردد تكبيرات العيد، ونلتقي بأصدقائنا من أهل القرية، فينضموا إلينا في سيرنا، ورحنا نهنئ المارة في الطرقات، والمطلين من شرفات منازلهم، ونقطف ما طاب لنا من ثمار الفاكهة التي نجدها في الطريق، فإن أهل القرية قد أذنوا لنا بذلك، ومن ثم عدنا إلى البيت.
كانت جدتي قد أعدت الإفطار المميز المكون من فطير، وجبن، وعسل، ولبن، وبيض مسلوق، وزبدة، فطلبنا منها أن نتناوله في الهواء الطلق في الحقول، فوافقت، فحملنا الأطباق إلى هناك.
لن تنسى جدتي أن تضع على منضدة صغيرة خارج البيت طبقا كبيرا مملوءا بالكعك والبسكويت وغطته بغطاء شفاف لكي يرى المارة ما بداخله، فيقدمون ويتناولون منه ما يريدون، فلقد كانت تلك هي عادة جدتي في كل عيد، فجميع أهل القرية كبارا وصغارا يحبون كعك جدتي، وكلما فرغ الطبق أعادت ملؤه من جديد، كما أن أهل القرية قد إقتدوا بها، فراحت تضع كل ربة بيت طبقا من مخبوزاتها خارج بيتها، وبذلك تكون قد قدمت تهنئة العيد، وبذلك يكون للأطفال نصيب أكبر من الكعك الذي يجدونه في متناول أيديهم أمام كل بيت.
أمضينا اليوم في اللعب والمرح بين الحقول في أحضان الطبيعة الخلابة، وفي المساء عدنا إلى البيت لنكمل لعبنا ولكن بهدوء، فعلى الرغم من رغبتنا في النوم كنا نقاوم من أجل اللعب.
شعر جدي برغبتنا في النوم فقال: من يرغب في النوم يذهب إلى فراشه وإلا سوف يبقى نائما في مكانه حتى الصباح، فأنا لن أحمل أحد إلى الفراش، وعلى الرغم من ذلك لم ننفذ كلامه، فغلبنا النعاس ليستيقظ كل منا في الصباح فيجد نفسه في فراشه.