منذ أيام قلائل خرج علينا أحد من ينعت نفسه على أنه علماني قائلا إنه لا يهمه المسجد الأقصى، لا هو على تبة عالية ولا ضمن مناطق خطرة بالنسبة له، وغيرها من العبارات التي لا تصدر عن صبي في الابتدائية الأزهرية، ناهيك عن طبيب متخصص، وقبلها أتحفنا مفكر مصري بأن المسجد الأقصى ليس هو الموجود في فلسطين التاريخية، وهو ما يضعنا أمام سؤال: “هل صحت رؤية د. المسيري، رحمه الله حول التغول الفكري في عقول العرب، فتراهم يؤدون مهمة المحتل وهم على قناعة تامة بأن ما يروج له المحتل هو الصواب؟”
إن واقع التخلف التقني والتكنولوجي العربي جعلنا نخسر الرهان في ساحة المعركة؛ ففي الوقت الذي تحجب فيه الفيديوهات التي توضح هول ما يحدث من آلة عسكرية غاشمة، في حين يفتح الأثير أمام الشباب للرقص والعري أحيانا، يجعلنا سلسي القيادة، نزيح الحقائق لنستمتع بالباطل، نكفر بما نشاهدوه ونومن أشد اليقين بما يعرضوه لنا في وسائل الدولية التي يتحكم اللوبي في مفاصلها.
قرابة العام والمأساة في ازدياد، بل إن بعض يبحث “من بدأ أولًا؟” .. وإلى هؤلاء يجب أن نقول إن الفاعل معروف والسكوت عنه متعمد والقضية لم تبدأ اليوم بل منذ عشرات السنين وإن تغيير هوية الجيل الحالي، يفضي -بلا شك- إلى موت القضية؛ إذ كيف يدافع جاهل عن أمر لم يقرأ عنه ولم يتعلمه! الأمر أشبه بأن يفوز صبي بميراث قوامه شركات عالمية ولا يحسن إدارتها ولا الاستثمار فيها، الأمر سيكون مآله الإفلاس، في أكثر السيناريوهات تفاؤلا.
إن علينا مَهمة كبرى أن يتعلم أبناؤنا في مدارسنا كيف يفكر أعداؤنا وماذا يريدون لنا بالمكر والحيلة تارة، وبتهميش عقول الشباب تارة أخرى، وثالثة بتمييع الانتماء إلى هويتنا وحضارتنا، أو السعي عمدا لتدميرها، وقد رأينا ذلك فيما حدث لمعالم سوريا التاريخية البارزة من تدمير وتخريب، هل يظن عاقل أن الأمر صدفة أم هي المكيدة والحرب؟
ما تزال وسائل التواصل الاجتماعي ملعبا لفئة متخصصة من قوات الاحتلال، باتت تتقن اللغة العربية، بل تتقن اللهجات العراقية والسورية والسعودية والإماراتية وغيرها، وتحرص دائما على تشكيكك في الثوابت على شاكلة: “الفلسطينيون باعوا أرضهم.. الغزيون يسبون المصريين والسعوديين، مصر لا تريد نصر القضية،…” وغيرها من الأمور التي تخلق جيلا هشا، لا يعترف بعروبة ولا يؤمن بأخوة ولا غيرها.. فالحذر الحذر.
إن مخططاتهم تمضي قدما، ذلك لأنهم -ببساطة- خططوا وينفذون؛ أما غيرهم فلا بواكي لهم، ولعلنا تابعنا أمس ما عرضه نتنياهو من خريطة توضح ضم الضفة الغربية إلى حدود الكيان المحتل، في فرض جديد لسياسة الأمر الواقع، فالفرصة الوحيدة للنجاة أن يتعلم أبناؤنا في مدارسنا ما يراد لهم، وما يحدق بنا من مؤامرت قد حيكت بليل منذ عقود.