دار في خاطري| كيف حالك؟!
كيف حالك؟ سؤال نسمعه ونسأله بشكل يومي في تعاملنا مع من حولنا، ولكن هل هذا السؤال يتم طرحه لمعرفة حال الشخص المطروح عليه والاطمئنان عليه؟!
عشت زمنا ظننت فيه أن ذلك السؤال وما شابه من أسئلة تعني بالفعل أن صاحب السؤال يريد معرفة الحال والاطمئنان على من يسأله، فكنت كلما سؤلت مثل هذه الأسئلة أجبت بصراحة عليها، كما أنني حين كنت أطرحها كنت أنتظر الإجابة الصريحة للاطمئنان، ولكن الحقيقة المؤلمة التي استنتجتها من خلال تعاملي مع الناس هي أن من يسألك كيف حالك؟ لا يريد سماع أكثر من “بخير” حتى وإن لم تكن بخير فهذا لا يعنيه، فالهدف من طرح السؤال هو مجرد كلمات اعتاد قولها كما اعتاد سماع الإجابة التي لا يريد سماع غيرها.
وهنا يتبادر إلى ذهني سؤال هو هل كان ذلك يحدث قديما؟! أم أن الناس قديما كان لديهم رغبة في أن يطمئن بعضهم على بعض؟! فيجيبني عقلي قائلا: ربما كان اهتمام الناس بعضهم ببعض أكبر منه عن أيامنا هذه، أو ربما كان الفضول هو الذي يدفع الناس للسؤال، ولكن ماذا حدث الآن؟!
عند هذا السؤال يحاول عقلي تقليل حدة قسوة البشر، فيلتمس لهم الأعذار فيقول: أن صعوبات هذا الزمن جعلت لكل إنسان همومه ومشكلاته الخاصة ومتاعبه التي لا يحتمل سماع أكثر منها، وربما مازال هناك من يقصد بسؤاله الاطمئنان، فأنا مازلت اسأل لهذا السبب على الرغم من تغير إجاباتي، ولكن ماذا لو أصبحت حقا تلك الأسئلة لا تتعدى أنها مجرد كلمات جوفاء خالية من أي شيء؟!
أجل! لقد فقدت الكلمات معانيها فأصبحت مجردة من أي مشاعر إنسانية حتى بدأ البشر في التخلي عنها، وذلك يظهر جليا حين تجد أحدهم يتحدث إليك لأول مرة دون أن يلقي عليك حتى تحية السلام وكأنك تجلس برفقته منذ ساعات، فهذا يجعلك تتأكد أن هذه الأسئلة أصبحت بلا معنى، ولا ينتظر سائلها إجابة، وذلك يعني أنه من الممكن أن تندثر تحية الصباح والمساء، وتلك الأسئلة الخاصة بالحال، فيصبح التعامل بين البشر جافا خاليا من أي تعبير.
ولكن ماذا إذا حدث عكس هذا الأمر؟! فتجد أحدهم وهو يتحدث إليك لأول مرة يلح في أسئلته ويبالغ في عبارات الشكر والثناء عليك وكأنك أنقذت حياته من هلاك محتم؟! فإن ذلك أيضا يفقد الكلمات معانيها، فيجعلها جوفاء لا تعبر عن أي شيء.
فقط الصدق في الكلمات، والقول والفعل بالنية الطيبة الصادقة هي التي تعطي الكلمات معانيها، ولكن هل يصل صدق الكلمات لهؤلاء الذين فقدوا كل المعاني؟! ربما نعم! وربما لا! ولكن يبقى صدقك أمام الله هو دليلك على سلامة قلبك، فيكون جزاءك عند الله وحده حتى وإن ظن فيك البشر ظنونهم، وتبقى دائما “الحمد لله” هي الرد الأمثل المعبر عن كل الأحوال، فهي الإجابة الوحيدة الشافية التي تحمل كل المعاني وتعبر عن كل المشاعر.