في عام 2016، صدر قرار وزير الأوقاف رقم 215 لسنة 2016 بشأن القواعد المنظمة لأداء خطبة الجمعة بالمساجد والزوايا الخاضعة لإشراف وزارة الأوقاف، وفي مادته الأولى، تشكيل لجنة قوامها عشرة أعضاء، تضم كافة تخصصات العلوم الشرعية وبعض المتخصصين فى علم النفس وعلم الاجتماع تكون مهمتها وضع خطة سنوية لخطب الجمع واختيار وإعداد خطبة الجمعة الموحدة.
قرار أيدته محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية في سبتمبر من العام نفسه، مع النص على: “قبول الدعوى شكلا. والحكم وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير الأوقاف فيما تضمنه من تكليف أئمة المساجد بإلقاء الخطبة مكتوبة وما يترتب على ذلك من آثار اخصها الالتزام برأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف بضرورة ترك الخطيب حرا طالما التزم بوسطية الإسلام الحنيف وأن المرجعية الدينية للأزهر الشريف وفقا للدستور”.
هذه المقدمة، هي أمر جيد للغاية- بلا شك- أن يكون هناك توافق على موضوع الخطبة المطروحة للجمهور، ولكن القرار ربما لم يضع في حسبانه أن المتلقين من المصلين مختلفو الثقافات والطباع؛ فما يصلح فى المدن وعواصم المحافظات قد لا يكون مناسبا فى القرى والنجوع، وفي بعض الأحيان قد توافق الخطبة موسم حصاد في مكان ما، فيكون الأوقع التذكرة بزكاة الزروع، أو في المدينة قد يحدث مشاجرة في منطقة المسجد، فيصير الأفضل تذكير الناس بما قد ينجم عن الاختلاف والشقاق، وتعريف الناس بكيد الشيطان ليوقع بين الناس؛فالبيئات مختلفة فى مصر.
الشيء المثير للعجب، على مدار سنوات خلت، أنه حتى مع توحيد الخطبة، فكان موضوعها بعيدا كل البعد عن المناسبات الدينية أو الموضوعات التي تتسق وتوقيت الخطبة، مثل قدوم شهر معين، أو صوم نافلة مرتبطة بوقت يمكن تعريف الناس به في خطبة الجمعة، أو غيرها من المناسبات، ما يؤكد أهمية مراعاة فقه الواقع والأولويات المجتمعية، فالأصل في الدين أن يربط الناس بربهم وأن تكون منابر المساجد مساحة تجمع ولا تفرق.
ولو تخطينا هذه المسألة، فإننا سنجد أنفسنا نقطة كارثية، وهي رصانة الخطيب بحثيا ولغويا، فما أكثر انتهاك اللغة العربية فوق المنابر، ولكم سمعنا بعض الخطباء لا يراعون في الفاعل والمضاف إلا ولا ذمة، فلا ينتبه لموضع كسر أو سبب نصب، وهلم جرا، حتى باتت اللغة مستباحة، لا تعرف لها شرقا من غرب!
ويا ليت الأمر ينتهي عند هذا الحد، فإن أغلب الخطباء لا يأبهون إن كان الحديث صحيحا أم ضعيفًا أو موضوعًا، وربما خصص أحدهم خطبة كاملة عن حديث، يعيد ويزيد فيه وحوله، دون أن يدرك درجة الحديث، أو حال الراوي، هذا إذا ذكر السند أصلا، ولذلك نرى العجب.
تخيل عزيزي القارئ أن تجد بعد هذه الرحلة الجميلة، على مدار نحو نصف الساعة من الكلام الذي لا أصل له، أو الصوت الجهوري منذرا ومتوعدا، وبعد انتهاء هذا الفاصل من الخطبة، يتقدم الرجل لإمامة المصلين في الصلاة، وهذا لا ينكره عليه أحد بالطبع، ولكن بشرط أن يحسن تلاوة الفاتحة، ولكن ما إن يفتح فمه حتى يقول “المصطقيم” أو “الرحمان” بتفخيم كل حروفها، أو غير ذلك، لتقول على صلاتك أيضا: “يعوض الله”
الأمر نفسه في الصلاة في الكثير من مساجد مصر في مختلف المناطق، فلربما قادك قدرك إلى الصلاة خلف إمام لا يجيد قراءة الفاتحة، رغم أن الإمام نفسه يدرك أن هناك أزهريون كثر يجيدون القراءة على نحو لا لحن فيه، ولكن لسان حاله يقول: “أنا الكل في الكل”، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى أن يتقدم مسرعًا مع إقامة الصلاة ليكون إماما للناس، حتى وإن علم أنه غير مقبولا لا أحكامًا ولا صوتًا.
ما زلت أتشبث بالكثير من الأمل، أن ينجح فضيلة الدكتور أسامة الأزهري، في أن يعيد الأمر إلى نصابه، وأن يوسد الأمر إلى أهله، وما أسهل ذلك، وبشكل خاص في القرى والنجوع، التي يجد الناس ضالتهم في المساجد، فيسألوا مشايخها وعلمائها، وختاما أقول:
ما يصلح الملح إذا الملح فسد!