كاتب ومقال

دار في خاطري| هكذا يكون

كتب الأستاذ الدكتور “س” أستاذ علم النبات على حسابه الخاص على الفيسبوك “اليوم أفجر لكم مفاجأة مذهلة، لقد أكدت الدراسات الحديثة أن العلاج الأمثل للقضاء على الطفيليات المعوية هو ذلك الكائن الذي تجده أحيانا في الفاكهة!!”.

ثم اتبع ذلك المنشور بآخر يحوي تفاصيل أكثر عن هذه الدراسة الحديثة، فكتب: “لقد أجريت أول أبحاثي منذ عشرة أعوام حول ذبابة البحر المتوسط المعروفة لدى الجميع بذبابة الفاكهة، ولقد توصلت إلى أن ديدان تلك الذبابة هي القادرة على القضاء على الديدان المعوية وخاصة الديدان الدبوسية، وعلى عكس ما عرف قديما عنها بأنها تلحق أضرارا جسيمة بالرئة والكبد.

ومنذ ثلاث سنوات أجريت التجارب على المتطوعين، فأثبتت صحة دراستي التي شاركني فيها لفيف من علماء علم النبات في أشهر الجامعات في العالم، والآن وبعد التأكد من صحة الدراسة أقدمها لك متابعي العزيز بهذه الصورة المبسطة باللغة العربية حتى لا أرهقك في متابعة أبحاث علمية أكاديمية يضيع معها وقتك الثمين”.

ما هي إلا بضع ساعات حتى انتشر هذا الخبر بين الناس كالنار في الهشيم، وزاد عدد متابعين الدكتور خمسة أضعاف، أما ذلك المنشور العجيب فقد تم تداوله ومشاركته آلاف المرات، بالإضافة إلى آلاف التفاعلات والتعليقات.

ما لبث أن أصبحت هذه الدراسة حديث الناس صباحا ومساء، ما بين مصدق ومكذب، فقد صدق الكثير، فراح ذاك يخبر أصدقاءه، وراحت تلك تخبر أقرباءها، بينما كذب القليل، وقلة قليلة ممن كذبوا مضوا في البحث عن الأبحاث أو مزيد من المعلومات.

وبعد مرور عشرة أيام لم تهدأ خلالها تلك الضجة التي أحدثتها تلك الدراسة، ذهب الدكتور “س” إلى ندّه في مكتبه، فطرق الباب وفتحه للتو وهو يقول بكبرياء: هل يسمح لي صديقي العزيز الخاسر بالدخول؟ فقال بفتور زميله المنهمك في متابعة شيء ما على حاسبه اللوحي: تفضل، فدخل وقال: لقد خسرت الرهان، لقد استطعت التأثير على البشر وإقناعهم بالأمر، فقال زميله: أواثق أنت مما فعلت؟!، فقال بكبرياء: لقد كتبت كل شيء باللغة العربية فلن يستطيع فهمي إلا هؤلاء المصدقين، كما أنني لم أذكر اسم أحد من العلماء أو أذكر اسم بحث حتى يدينني.

كما أن هؤلاء المصدقين يا صديقي يكرهون البحث والتنقيب عن الحقائق، يأخذون كل ما يقال وكأنه حقيقة مسلم بها، فضحك زميله بسخرية وقال: لا تثق بقدراتك هكذا، انظر! لقد قدم هذا الباحث تكذيبا لكل كلمة ذكرتها بالأدلة القاطعة، فضحك الدكتور وقال: يا صديقي لا يهم ما يفعله ذلك الباحث الصغير، سوف يضيع كل ما يفعله هباء، من يستطيع تصديق باحث صغير وتكذيب أستاذ كبير؟! أنظر إلى رد فعل الناس لأنه كذبني!

نظر زميله ليرى التعليقات، فوجد معظمها سلبية رغم الأدلة الواضحة كالشمس، فقال باستسلام: يا حسرتاه! لقد خسرت الرهان، فضحك الدكتور ضحكة مدوية وقال: الآن أستطيع بيع محصول الجوافة الذي أصابته ذبابة الفاكهة.

بقلم:
ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى