طَلَعَ البَدْرُ عَلَيْنَا مِنَ ثَنِيَّاتِ الوَدَاع
وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا مَا دَعَى لِلَّهِ دَاع
أَيُّهَا المَبْعُوثُ فِينَا جِئْتَ بِالأَمْرِ المُطَاع
جِئْتَ شَرَّفْتَ المَدِينَة مَرْحبَاً يَا خَيْرَ دَاع
هكذا كانت تردد الجدة هذا النشيد الجميل وأحفادها الصغار يرددون معها حين كانت جالسة تعد الفطائر والأحفاد يلتفون حولها في مشهد يتكرر في مثل هذا الوقت من كل عام، أجل! إنه بداية العام الهجري الجديد.
لقد اعتاد الأطفال قضاء اليوم الأول من العام الهجري الجديد برفقة جدتهم التي اعتادت إعداد الفطائر اللذيذة والملوخية التي يحبونها في ذلك اليوم، ولقد أحب الأطفال مرافقتها وهي تعد الفطائر حيث أنهم يحبون مشاهدتها وهي تصنعها بطريقة احترافية تسلب ألبابهم، كما أنهم يحبون تشمم رائحتها الزكية، وفور نضج الفطيرة الأولى تقوم الجدة بتقسيمها بالتساوي وتوزيعها عليهم، فهي تعلم جيدا أنهم لا يطيقون صبرا.
وفي أثناء تناول الأطفال لقطع الفطيرة سألتهم الجدة: من يعرف لماذا نحتفل اليوم؟ فأجابها الأطفال جميعا عدا أصغرهم: نحتفل بالعام الهجري الجديد، فعلمت أن حفيدها الصغير لا يعلم شيئا عن هذه المناسبة، فأرادت أن تعلمه بالقصة حتى يتذكرها مدى الحياة، فقالت: من يريد سماع قصة النور الذي أشرق في المدينة؟ فصاح الجميع: أنا.
نظرت إليهم الجدة، وقالت بصوت حانٍ: إنها قصة هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، فقال الصغير: ولماذا هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة؟! فقالت الجدة: عندما اشتد أذى كفار قريش للرسول الكريم وللمسلمين، كما أنهم اتفقوا على قتله، فأتوا برجل من كل قبيلة ليضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه بين القبائل، فأمره الله بالهجرة من مكة -وهي أحب البلاد إلى قلبه- إلى المدينة المنورة، والتي كانت تسمى يثرب قبل الهجرة.
وفي يوم الهجرة، وبينما الرجال يقفون عند بيت النبي، ينتظرون خروجه ليقتلونه، تحدث معجزة الله لينجي نبيه، فيخرج الرسول صلى الله عليه وسلم أمامهم دون أن يروه، وهنا يظهر حب أصحابه الشديد له، وكيف كانوا على أتم الاستعداد ليفدونه بأرواحهم، فينام علي بن أبي طالب في فراش النبي، ثم يخرج النبي وصاحبه أبو بكر الصديق في طريقهما إلى المدينة، فيكون الصديق خير رفيقا لصاحبه في أفضل صورة للصداقة، فيمكثان في غار ثور، فتنسج العنكبوت خيوطها على باب الغار، وترقد الحمامة على بيضها، فيظن الكفار أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه ليسا بالغار.
وكان الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يطمئن صاحبه ويقول له: “لا تحزن إن الله معنا” ليعلمان درسا جديدا وهو حسن الظن بالله، فإن من يوقن بأن الله معه ولن يصيبه أذى، فلن يصيبه أي مكروه أو سوء.
كان عبد الله بن أبي بكر يأتي لهما بأخبار قريش، بينما كانت أسماء بنت أبي بكر تأتي لهم بالطعام والشراب، ليمثلا أبهى صورة من صور الإخلاص والثقة بالله، فكانا لا يخافان أن يلحق بهما الكفار فيعلمون بمكان النبي، فقد كانت ثقتهما بالله أكبر من أي خوف.
وصل النبي وأبو بكر إلى المدينة المنورة، فخرج أهلها لاستقبالهما بالفرحة العارمة، لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الدعوة الإسلامية، وتكون المدينة هي البؤرة التي خرج منها النور إلى العالم أجمع.
كان الأطفال سعداء بالقصة، وقال أحدهم: كم كنت أتمنى أن أهاجر مع النبي، فضحكت الجدة وقالت: إن الهجرة ليست بترك المكان والإنتقال إلى مكان آخر، يمكنك بني أن تهاجر، فترك المعاصي والمداومة على فعل الخير ومنع الأذى ويقظة الضمير هجرة إلى الله عز وجل.
بعد ذلك ساعد الأطفال الجدة في تحضير أطباق الطعام ليلتف الجميع حول المائدة، وقد عادوا للإنشاد مرة أخرى.