دار في خاطري| المشاعر المزيفة
طالما قابلنا في حياتنا أشياءً مزيفة، ودائما نجدها بين الأشياء الثمينة والنفيسة، كالنقود، والذهب، والمجوهرات، ودائما نجد أشياء مغشوشة قد اختلط بها ما يشبهها ولكنه يفسدها، ولكن ذلك الإفساد لا يجعلها غير صالحة للاستخدام لكنه يفقدها طبيعتها التي خلقها الله عليها، وأشهر مثال على ذلك اللبن المغشوش بالماء، فالماء لا يفسد اللبن بل يفقده بعضا من قوامه ومذاقه، فهذا عن الأشياء، ولكن ماذا عن المشاعر؟!
هل أصبحت مشاعر البشر مزيفة؟! أم أنها هكذا دائما؟! وماذا إن وجدت عوامل لتزييفها؟! وهل هناك أسبابا تجعل المرء يزيف مشاعره؟! وهل ينخدع الناس بتلك المشاعر المزيفة؟! ولماذا لم تبق المشاعر على فطرتها؟!
لقد أصبحت المشاعر مزيفة، أو ربما هي دائما هكذا، ولكنها أصبحت أكثر زيفا عن ذي قبل، حتى أصبحت تشعر بأن لا أحد يمتلك مشاعرا حقيقية، أترى أن الناس قديما كانوا يجيدون التمثيل؟! أم أن الناس حديثا أصبحوا لا يعيرون من يكتشف زيفهم إهتماما؟! أم أنها الثقة الزائدة في النفس التي تجعل المرء يتيقن بأنه استطاع خداع جميع من حوله؟! أم لأن الوجوه قلما إلتقت فأصبح تزييف المشاعر سهلا وغير متقنا؟!
لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي الملتقى للأهل والأصدقاء، ومكانا مناسبا لتكوين صداقات جديدة، فعلى الرغم من أنها سهلت الاتصال بين البشر في شتى أنحاء العالم، إلا أنها باعدت المسافات بينهم، فأصبح الأسهل أن تتحدث إلى أي شخص عبر هذه التكنولوجيا الحديثة بدلا من زيارته أو حتى الاتصال به عبر الهاتف، حتى من يعيشون تحت سقف بيت واحد أصبح استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الدردشة هي الأسهل على الإطلاق.
لقد أصبحت تلك المواقع والتطبيقات حقولا خصبة لانتشار المشاعر المزيفة، بكل سهولة ويسر، فعلى سبيل المثال تجد اليوم إحداهن تنعي صديقتها بكلمات تنفطر بها القلوب، وتجدها غدا تنشر صورتها الشخصية وهي بكامل زينتها، تضع مساحيق التجميل وتبتسم، وترفقها بكلمات مبهجة عن حلو العيش وجمال الحياة!! أترى أي من تلك المشاعر مزيفة؟! وتجد أحدهم يتحدث عن السعادة ومباهج الحياة، ينصح هذا وذاك بأن يتغلب على حزنه ومشاكله، وهو في الحقيقة حزين تعيس لا يقوى على حل أبسط المشكلات التي تخصه!! ناهيك عن تلك المنشورات التي تحمل بداخلها رسائل مبهمة موجهة لأشخاص بأعينهم تحمل معاني لا يفهمها إلا من وجهت إليهم.
قد تجد أيضا أحداثا ومواقفا ينقلب لها العالم رأسا على عقب، وإذا ما دخلت بأدق تفاصيلها لوجدتها تحمل زيفا أفقدها معانيها، وارتدت ثوبا من الأكاذيب والخداع، وقد تجد سيلا من المشاركات، والتهاني قد غلفت بغلاف من السعادة والسرور، وفي مكنونها حقد، وبغض، وحسد.
لماذا لا يبقى الإنسان على فطرته؟! لماذا تنتهي تلك الفكرة مع إنتهاء مرحلة الطفولة؟! قد تجد الأطفال يتحدثون بما يجول بداخلهم بتلقائية وصراحة، فتجد الناس يصدقونهم لأنهم أبرياء لم يلوثهم الشر بعد، ولكن عندما تجد رجلا أو امرأة من الشباب أو المسنين يتحدث بفطرته دون تزييف لمشاعرهم لا يصدقهم أحد، ويجمعون على أنه كاذب، أهذا يعني أنه لابد للإنسان أن يزيف مشاعره حتى يصدقه البشر؟! أم أننا أصبحنا في آخر الزمان حيث تلك السنوات الخادعات التي أخبرنا عنها الرسول صلى الله عليه وسلم أن فيها يصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويؤمن الخائن، ويخون الأمين، وينطق فيها الرويبضة( أي التافه يتكلم في أمر العامة فيرفع من يشاء، ويحط من يشاء)؟!!
لقد أصبحت كثرة المشاعر المزيفة التي تتخبط بها من حولك تجعلك لا تميز بين الصادق والكاذب، فتختفي الحقائق بين الأكاذيب، فترى القبيح من الأشياء جميلا، لأنه قد تزين وتجمل فأخفى قبحه، ولكن تلك الزينة المزيفة لم تغير شيئا من قبحه، فعندما تمعن فيه النظر ترى قبحه، وترى الأشياء الجميلة قد شوهتها الأكاذيب والتزييف، فيختفي جمالها وتبدو للناظرين قبيحة.
وماذا يحدث إذا عدنا إلى الفطرة؟! فلنعود إلى البراءة والنقاء، فيتحدث كل منا بما في قلبه دون تزييف لمشاعره ولا يخشى تكذيب الناس له، وكفاه أنه صادقا مع الله ومع نفسه، وعندئذ سوف يصبح الناس أنقياء فقد يحاربون مشاعر الكره والبغض والحسد حتى تصبح نفوسهم صافية لا تحمل إلا الخير، وإما أن يرى كل منا نفسه النقي البرئ الوحيد على الأرض ويرى الجميع كاذبين ومخادعين، وهنا يبقى الإنسان على طبيعته التي تبقيه يفسد في الأرض، فيصبح ذلك التغيير مجرد مشاعر مزيفة يخدع بها الآخرين ومن قبلهم يخدع نفسه.