كاتب ومقال

دار في خاطري| حال وحال

بقلم: ريم السباعي

في صباح يوم إجازته الأسبوعية جلس كعادته في المقهى المجاور لبيته وراح ينعي حظه ويتحسر على ما مضى من عمره، لقد أيقن بأن أيامه ضاعت سدى، لقد أضاع وقته فيما ظن يوما ما أنه نافعا، لقد أجهد عقله وشغله بمتاعب لا تهمه ولا تفيده.

ومضى يسبح في الماضي وينساق مع تيار الذكريات فتذكر والدته حين كانت توقظه في الصباح الباكر في أيام الشتاء الباردة لكي يذهب إلى المدرسة، وعندما كان يأبى الذهاب كانت تشجعه بعبارات حماسية وتقول له أنها تود رؤيته بين صفوف المتفوقين، وراح يتذكر والده الذي كان يشجعه دائما على المذاكرة، فكان يكافئه كلما نجح وتفوق طيلة سنوات دراسته.

ثم تذكر فرحة والديه يوم تخرجه في الجامعة، وفرحتهما حين أصبح أستاذا بها، وراح يسأل نفسه بغضب ويقول بصوت خافت غير مسموع: لماذا فعلا بي هذا؟! لماذا جعلاني أتحمل هموما وأعباء لا طاقة لي بها؟! لماذا شجعاني على التفوق؟! ولكنني لن استطيع توجيه هذه الأسئلة لهما الآن، لن استطيع إخبارهما أنهما تسببا في تعاستي وهما يظنان أنها سعادتي.

ثم راح يلوم نفسه ويقول: ما الذي جعلني أحب الدراسة والتعليم؟! أهي أمنيات أمي وتشجيعها لي؟! أم مكافآت أبي؟! أم أنني حقا كنت أتمني اللحاق بالصفوة من المثقفين؟! لماذا كنت أضيع وقتي في المكتبات بين الكتب والأبحاث؟! لماذا أتابع الأخبار السياسية والاقتصادية وأشغل عقلي بالتفكير في أحوال البلاد والعباد؟! ماذا جنيت من العلم والثقافة؟! لم أجن إلا الهموم والمتاعب والحزن والألم.

ثم نظر إلى المنضدة التي أمامه حيث كان يجلس رجلا اعتاد الجلوس في نفس المكان كل صباح، وقد علم بأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، فنظر إليه وعاد يحدث نفسه قائلا: لماذا لم أصبح مثل هذا الرجل؟! يا له من رجل سعيد، لا يعلم ما يدور من حوله من صراعات وأزمات، ولا يحمل عبء المثقفين، لم يضيع وقته في التعليم والحصول على أعلى الشهادات، لابد أن لديه حرفة يدوية يتقنها ويعمل دائما بسعادة وحرية دون قيود الوظيفة والالتزامات، ليتني لم أتعلم، ليتني أمتلك حرفة يدوية وألقي عن كاهلي أعباء المتعلمين والمثقفين.

لاحظ الرجل الجالس بالمنضدة المجاورة نظراته له فقال في سره: لماذا ينظر إلي الأستاذ هكذا؟! لابد أنه يشفق علي، أو ربما يحتقرني، ولكن لماذا يحتقرني؟! ألأنني أمي ولم أذهب يوما إلى المدرسة؟! إن ذلك لم يكن ذنبي، فإن والدي لم يكن يمتلك إلا قوت يومنا ولم يكن باستطاعته إلحاقي أنا وإخوتي بالمدرسة، أه لو أن الظروف سمحت لي بالدراسة والتعليم!! أه لو أنني استطعت قراءة الصحف كما يفعل أمثال هذا المثقف!! لو حدث هذا لكان باستطاعتي مشاركة أبنائي الحديث حول ما يحدث في العالم ولم أكن بحاجة إلى قطع حديثهم بحجة ألا نضيع الوقت دون ضحك ومرح.

ثم مضى يتحسر على نفسه وحاله ويتخيل حاله إذا كان متعلما ومثقفا، فراح يقول: كنت استيقظ باكرا في كل صباح لأذهب إلى العمل برفقة والدي وكنت أنظر إلى الأطفال الذاهبين إلى المدرسة واتمنى أن أذهب معهم، كنت استمع إلى أصوات الأطفال داخل فصولهم يرددون دروسهم وكنت أبكي حسرة، كم كنت أتمنى الالتحاق بالجامعة وأصير أستاذا جامعيا مثل هذا الأستاذ، فلابد أنني سأكون سعيدا، اه لو حدث هذا!! بالتأكيد كان باستطاعتي مساعدة أبنائي في المذاكرة، وشرحت لهم كل ما صعب عليهم فهمه، بدلا من الذهاب إلى آباء أصدقائهم ليشرحوا لهم، كما أنني سأكون موظفا ألتزم بمواعيد العمل وقوانينه، بدلا من حياة الفوضى التي لم أستطع يوما وضع قوانين لها لتحكمها، لابد أنني سأكون سعيدا مثل هذا الأستاذ المتعلم المثقف.

اقرأ أيضًا: دار في خاطري| ويأتي العيد بعد الأيام المنسية

نبذة عن الكاتبة

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى