كلمة ورد غطاها| هل تريد أن تثير الجدل؟
في هذا العالم الرقمي الجديد المجنون، كثيرًا ما نتعرض لمنشور يبدأ بعبارة “فلان يثير الجدل”، ثم نجد كلمة أو عبارة مختصرة وربما صورة ملفتة. يحدث كل ذلك لحث المستخدم على الضغط على الرابط وقراءة الخبر كاملًا.
في الغالب، يكون الخبر في غاية التفاهة أو غير حقيقي على الإطلاق، وتترواح أسباب هذا الأسلوب بين مراسلين صحفيين لا يجدون ما يكتبون أو يحاولون زيادة التفاعل مع مواقعهم الإلكترونية، والتي يتم ترويجها على أنها الأكثر مشاهدة والأكثر من حيث أعداد المتابعين، وهو ما يتيح لهم التفاوض على أسعار أعلى عندما يلجأ إليهم أحد المعلنين عن السلع والخدمات، أو يساعد استمرار المتابعة والتفاعل على متابعة باقي محتوى تلك المواقع أو الصفحات.
كل ذلك يتم من خلال منظومة إلكترونية للقياسات الدقيقة تقوم بالتعرف على أعداد المشتركين والمتابعين والدول التي يتواجدون فيها وبعض الخصائص الأخرى مثل السن والنوع والمستوى التعليمي. كما تتيح تلك القياسات التعرف على ذائقة الجمهور من خلال التعرف على المنشورات الأكثر مشاهدة والأكثر تفاعلًا بعلامات الإعجاب وإعادة النشر وخلافه.
كل تلك القياسات تساهم في صياغة المنشورات التالية من حيث المحتوى والاهتمام والشكل والحجم وغيرها من أساليب العرض والنشر.
الإشكالية تكمن، كما سبق أن أوضحنا، في دقة وسلامة المحتوى من جهة، ومن جهة أخرى مدى أهمية المحتوى. وهنا نجد أننا أمام معضلة كبيرة؛ فلكي تحصل على متابعات كثيرة وإعجابات أكثر، عليك أن تثير الجدل. وإثارة الجدل، حتى الآن ومن خلال قراءة سريعة لعدد ليس بالقليل من هذه المنشورات، يوضح أنه لكي تثير الجدل، عليك أن تتبع فستانًا قصيرًا لنجمة سينمائية تظهر بطانته، أو من خلال فتوى دينية شاذة، أو من خلال اجتزاء الحقيقة في أي حادثة، أو إضافة تحابيش غير حقيقية، أو تلفيق صور ومقاطع مصورة متحركة، أو كل ذلك معًا، حيث يتم ذلك بكل أريحية وحرية في ظل غياب الرقابة والمتابعة والعقاب لمن يقوم بذلك.
هذا على مستوى المواقع المعروفة، فإذا انتقلنا إلى صفحات الأشخاص الطبيعيين المعروفين أو المزيفين، سنجد الأمر أكثر عبثية. فهم يقومون ويفعلون الأفاعيل، ويظهرون ما هو مستور في غرف النوم، ويتحدثون بلغة ويتلفظون بألفاظ يحمر لها وجه البلطجية والرعاع.
في النهاية، أجد أن المقاطعة والتجاهل، ولا شيء غيرهما، هو الحل لانحسار تلك الظاهرة غير الصحية. فإذا كنا نقول إن لشبكات التواصل الاجتماعي قوة للتأثير في الرأي العام، فأعتقد أن على كل المستخدمين واجب في استخدام تلك القوة للارتقاء بنا جميعًا، والتوقف عن السباحة في بحور القاذورات الممتدة.