دار في خاطري| نحو الأمية
إن كل ما يحدث من حولنا يسير بخطى ثابتة في سبيل ممهد ليغير من حال البشر ليخرجهم مما هم فيه، ويسير بهم نحو الأمية.
” لا تعيد قراءة الفقرة السابقة مرة ثانية، لإنه صحيح ما قرأت”.
أجل! إن ما يحدث من حولنا يجعلنا نشعر بإقترابنا من الدخول إلى نفق مظلم، ذلك النفق المظلم الذي أوشكت أن تنطفئ فيه شمس العلم لنمر من خلاله لنصل إلى حقبة من الجهل والأمية تروق لمن يريد لنا ذلك، لنقع صيدا سهلا بين براثنه.
لقد سمعت يوما إحدى الأمهات التي تخشى على ابنتها من فساد زميلاتها، فراحت تقول بأنها لن تلحق ابنتها بالمدرسة أبدا، ففي المدرسة فتيات ذوات أخلاق سيئة، يتعدين على المعلمين والمعلمات بالسباب والألفاظ النابية، ثم راحت تنعي عمرها الذي ضاع في التعليم دون فائدة.
أحقا تمت بنجاح عملية استئصال التربية من التعليم؟! لا! لقد فشلت تلك العملية، صحيح تمت عملية الاستئصال بنجاح، ولكن فقدنا التربية، وفقدنا التعليم، وفقد على إثرها المعلم هيبته، وفقد الصرح العلمي حرمته، وأصبحنا بحاجة إلى سيل منهمر من الأخلاق، فلقد غابت التربية عن المدرسة وعن البيت أيضا، فأصبح من النادر أن تجد أسرة تهتم بتربية أبنائها، وهل يثمر العلم في نفس قد غابت عنها التربية؟!
لقد أصبح العلم والتعليم أفكارا بالية لا تتناسب مع روح العصر المفعم بالنشاط الذي يدفع المرء للبحث عن لقمة العيش، ذلك العصر الذي غفت قوانينه البشرية وأصبح يؤمن فقط بقانون الغابة، قانون البقاء للأقوى، والأقوى في الغابة ليس من يتسلح بالعلم، بل من يتسلح بأنيابه القاطعة، ومخالبه الحادة التي تساعده على صيد فريسته فيوفر لنفسه طعامه رغم كل الظروف، أما الإنسان الذي تميز عن الحيوان بالعقل، لقد تعددت لديه الأسلحة وتنوعت ما بين السلطة، والمال، والقوة الجسدية، وسلاطة اللسان، وقد ابتعد كل البعد عن السلاح الفعال ألا وهو العلم.
فقد ضاق أفق الإنسان فأصبح التعليم مجرد حفظ عبارات وتمرين على معادلات لا جدوى منها من وجهة نظره ليحصل على ورقة من الجهات الرسمية تثبت بأنه إنسان متعلم، وهو بعيد كل البعد عما عرفه، وعذرا عزيزي القارئ فقد استخدمت كلمة “عرفه” بدلا من “درسه” لأن الدراسة تستلزم الإدراك، والبحث، والتعلم، فالشيء الأهم على الإطلاق لدى هؤلاء هو الأوراق والشهادات بغض النظر عن ما حصله المرء من العلم.
فقد أصبح الإنسان يتخذ من ادعاء العلم أو إن كان متعلما حقا وسيلة للوصول إلى المناصب، والحصول على ألقاب، فتجد معلم يحبط تلميذه، ويفسد كل ما وصل إليه في البحث والتعلم حتى لا يتفوق عليه، وهل حقا يتفوق التلميذ على أستاذه؟! وكيف يحدث ذلك مع فارق العمر والخبرة والبحث والتعلم؟! ألم يكفي الأستاذ فخرا أن أسهم في تعليم طالبا أصبح ذو شأن كبير؟!
أليس كل هذا يجعلنا ننحدر في منحدر شديد الإنحدار آخره نفقا مظلما يأخذنا نحو الأمية؟!