رؤى التحول الاقتصادي والطاقة| زيارة الرئيس الفرنسي لمصر.. تعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية في زمن التحديات

جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة في وقت حساس يتسم بالعديد من الأزمات السياسية والاقتصادية التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط. من الصراعات المستمرة في فلسطين وسوريا إلى التوترات في ليبيا والسودان ، يشهد العالم تحولات عميقة وتحديات تتطلب تنسيقا مستمرابين الدول المؤثرة في المنطقة. وبينما تتعرض المنطقة لزلازل من الأزمات تأتي زيارة ماكرون لتسجل محطة مهمة في مسار العلاقات المصرية الفرنسية حاملة في طياتها رسائل سياسية واقتصادية هامة تعكس تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة هذه التحديات.
زيارة ماكرون تعكس المكانة الاستراتيجية التي أصبحت تتمتع بها مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي. فمصر اليوم ليست فقط ركيزة أساسية في استقرار المنطقة العربية بل أصبحت محط أنظار العالم بفضل سياستها الخارجية المتوازنة وقدرتها على التأثير في الملفات الإقليمية والدولية. عكست الجولة التي قام بها ماكرون في شوارع القاهرة ومنها منطقة خان الخليلي ، حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي التي تنعم بها مصر رغم الظروف الإقليمية المعقدة.
لقد تجاوزت العلاقات المصرية الفرنسية حدود التعاون التقليدي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات. حيث تركزت الزيارة على تعزيز التعاون في مجالات حيوية، مثل التعليم، والنقل، والطاقة المتجددة. من أبرز ما تم التوقيع عليه كان مشروع تطوير الخط السادس لمترو الأنفاق بالقاهرة وهو مشروع ضخم من شأنه تحسين البنية التحتية في العاصمة المصرية وتخفيف الضغط على وسائل النقل العامة.
كما شهدت الزيارة توقيع اتفاقيات أخرى تشمل إنشاء 100 مدرسة فرنكفونية في مصر ، مما يعزز العلاقات الثقافية والتربوية بين البلدين. بالإضافة إلى ذلك تم الاتفاق على إنشاء محطة متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، وهو مشروع ضخم تبلغ تكلفته الاستثمارية 7 مليارات يورو ويُعتبر خطوة هامة نحو تعزيز التحول الأخضر في مصر.
تعد قضية فلسطين أحد الملفات التي سادت محادثات القمة الثلاثية بين مصر وفرنسا والأردن. ومع تصاعد الأوضاع في غزة كان موقف الرئيس ماكرون داعما بقوة لمصر في جهودها الرامية إلى تعزيز استقرار المنطقة. فقد أكد ماكرون خلال لقائه مع الرئيس السيسي على ضرورة التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية ، داعيا إلى تسوية النزاع وفقا لحل الدولتين. كما أعرب عن دعم فرنسا الكامل للموقف المصري في مواجهة التحديات التي تتعرض لها البلاد نتيجة الأزمات الإقليمية.
تمكنت زيارة ماكرون من تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا حيث بلغ حجم الاستثمارات الفرنسية في مصر نحو 7.7 مليار دولار من خلال أكثر من 180 شركة فرنسية تعمل في مجالات متنوعة مثل الصناعات التحويلية، والدواء وتكنولوجيا المعلومات، والنقل. كما ارتفع التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 14% في عام 2024، ليصل إلى 2.8 مليار دولار.
أحد أبرز مكاسب الزيارة كان فتح أفق الفرص الاستثمارية الجديدة خصوصًا في مجالات التحول الرقمي والطاقة المتجددة. هذا التعاون لم يقتصر على القطاعين العام والخاص، بل امتد أيضا ليشمل المجتمع المدني حيث تم مناقشة سبل تعزيز دور الشباب والمرأة في تحقيق التنمية المستدامة.
زيارة ماكرون لمصر كانت نقطة تحول حاسمة في مسار العلاقات بين البلدين. فقد أثبتت الزيارة أن مصر تسير على الطريق الصحيح نحو تعزيز علاقاتها مع القوى الكبرى في العالم وأنها تملك من المقومات ما يجعلها شريكا رئيسيا في الأمن والاستقرار الإقليميين.