رؤى التحول الاقتصادي والطاقة| صنع في مصر: مفتاح السيادة الاقتصادية وخارطة المستقبل
بينما تشهد دول العالم تحولات اقتصادية كبرى، تتطلع مصر إلى إعادة هيكلة اقتصادية جذرية تهدف إلى تحرير الاقتصاد الوطني من القيود التي طالما قيدت طموحاتنا. صناعة مصرية قوية ومستدامة لا تمثل فقط إنعاشًا مرحليًا، بل هي استثمار حقيقي في المستقبل، وهي الخطوة التي تحتاج إلى رؤية شاملة تتجاوز حدود الإنتاج المحلي لتدخل في صلب المنافسة العالمية.
في الوقت الذي توجه فيه القيادة السياسية الدعوة لتقليل الاعتماد على الاستيراد، تبرز فرص ذهبية للاستثمار في قطاعات التصنيع المحلي التي طالما كانت متأخرة عن اللحاق بركب التطور. ما ينقصنا اليوم ليس التكنولوجيا أو الموارد، بل منظومة إدارية فعالة قادرة على تسخير تلك الإمكانات وتحويلها إلى مشاريع تنموية حقيقية.
الطريق إلى المستقبل:
الانتقال من كوننا مستهلكين للمنتجات الأجنبية إلى أن نصبح منتجين عالميين هو التحدي الأكبر. لا شك أن الدولة قامت بخطوات جادة نحو تشجيع الصناعة المحلية، لكن الهدف الأسمى يتطلب تجاوز حدود الإنتاج التقليدي إلى تصنيع منتجات تنافسية تُصدر إلى الخارج. لهذا تظل الثورة الصناعية الرابعة هي المفتاح، والتكنولوجيا الرقمية والابتكار هما السلاح الذي يجب أن نستخدمه لإطلاق العنان لقدراتنا الإنتاجية.
بدأت الحكومة المصرية بالفعل في اتخاذ تدابير لتقليل الاعتماد على الاستيراد، ولكن هذا ليس كافيًا. يجب أن نخلق بيئة تصديرية تشجع المستثمرين على ضخ المزيد من الأموال في المشاريع الصناعية. بدون تطوير حقيقي للبنية التحتية الإنتاجية، لن نستطيع الصمود في وجه التحديات الاقتصادية العالمية.
الإنتاج المحلي والسيادة الاقتصادية:
الصناعة ليست مجرد عملية إنتاج سلع، بل هي العامل الرئيسي في بناء قوة اقتصادية مستدامة. الاعتماد على التصنيع المحلي يمنح مصر استقلالية استراتيجية تمكنها من الحفاظ على سيادتها الاقتصادية وتخفيف التبعية للخارج. من هنا يظهر مفهوم “صنع في مصر” كأحد أعمدة تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي.
إذا استطعنا تحقيق ذلك، لن نكون بحاجة إلى الاستيراد لتلبية احتياجاتنا الأساسية، بل سنصبح قوة مصدرة على الساحة العالمية. وهذا يتطلب استثمارات حكومية وخاصة مشتركة تركز على تطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة بجانب المشاريع الضخمة.
كيف نبدأ؟
البداية الحقيقية تبدأ من تطوير التعليم الفني والتقني، إذ إن القوة الصناعية لأي دولة لا تنشأ من فراغ، بل تتطلب جيشًا من المهندسين والفنيين المهرة. يجب أن تكون هناك خطة وطنية لتأهيل القوى العاملة وتزويدها بالمهارات اللازمة للتعامل مع تكنولوجيا التصنيع الحديثة.
على الصعيد الآخر، يجب أن تتوجه الدولة نحو جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لكن بشروط جديدة، حيث يجب أن تستثمر تلك الشركات في تطوير الإنتاج المحلي ونقل التكنولوجيا، وليس مجرد استغلال الموارد الطبيعية أو العمالة الرخيصة.
وفي النهاية، “صنع في مصر” ليست مجرد شعار، بل هي دعوة لإعادة التفكير في أولوياتنا الاقتصادية، وتحقيق تنمية حقيقية تنعكس على حياة المواطن المصري. إذا نجحنا في هذا التوجه، سيكون لمصر دور محوري في مستقبل الاقتصاد العالمي، ولن نكون مجرد متفرجين، بل صانعين للتاريخ.