كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| صاد السمك وكله بشوكه

“اه يا ابن الجنيه… دي دماغ قنبلة ذرية… صدقت الكذبة وحسبت حسبة ما تخرش المية” جزء من أغنية تتر نهاية مسلسل الريان للمطرب فضل شاكر من كلمات العبقري أيمن بهجت قمر ولحن وليد سعد. كلمات الأغنية في غاية الإبداع والتفرد، وخفة الدم الممزوجة بالمأساة، مأساة توظيف الأموال بفوائد خرافية غير معقولة لا يصدقها طفل رضيع، ولكن يصدقها الآلاف من الطامعين والطامحين إلى المكسب السريع بدون أدنى مجهود.

ولأن صاحب الحاجة أرعن، فإن هذه الحاجة تجعلهم يصدقون أن تربية العجول أو كروت الشحن أو جلد البط البلدي أو قشر الفول السوداني من الممكن أن تعطيهم فوائد أضعاف ما يعرضه البنك في أفضل عروضه. والحقيقة أن هذا النمط من النصب ليس بجديد، فقد يكون أول من سلك هذا الطريق تشارلز بونزو (Charles Ponzi) الأمريكي من أصل إيطالي، الذي بدأها مع بداية القرن العشرين حين كان يعمل في بنك يديره أحد الأشخاص الإيطاليين في كندا. كان هذا البنك يقوم بإعطاء المودعين فائدة تصل إلى 6%، وهي نسبة أكبر بكثير من النسبة التي كان يقدمها أي بنك آخر في ذلك الوقت. كان ببساطة يقوم بتقديم تلك الفائدة من أموال المودعين الجدد وليس من خلال أي استثمار حقيقي يقوم به البنك، لكن سرعان ما اكتشفت الحيلة وأعلن البنك إفلاسه، وهرب صاحبه وبونزو معه إلى المكسيك لبعض الوقت قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويعاود نفس الأسلوب في النصب والاحتيال، ولكن هذه المرة من خلال الإعلان عن الاستثمار في كوبونات الطوابع البريدية، التي كانت تُستخدم على نطاق واسع كوسيلة لنقل الأموال بين المؤسسات والأفراد في كل دول العالم، ومنها مصر حتى وقت قريب، وقد يتذكرها أبناء جيلي أو الأجيال السابقة عليهم.

عرض بونزو فائدة تصل إلى 50% تُجنى خلال 45 يومًا فقط، مما سمح له بجمع ملايين الدولارات خلال عام واحد فقط. استمر في هذا الأمر حتى وصل دخله اليومي إلى ربع مليون دولار عام 1920. ثم بعد ذلك، ونتيجة لحملة صحفية بدأتها صحيفة “ذا بوست” (The Post)، تم القبض عليه وقضى عامًا في السجن تنفيذًا للحكم بالعقوبة. ثم انتقل بعد ذلك إلى إيطاليا ومنها إلى البرازيل حيث توفي في أحد المستشفيات الخيرية في حالة حادة من الفقر المدقع.

بونزو فتح الباب ودخل منه الآلاف من المحتالين وملايين من الطامعين، وصولًا إلى عام 2015 حين قام أحدهم ويدعى أحمد بجمع 30 مليون جنيه مصري وفر هاربًا قبل أن يتم القبض عليه والحكم بالسجن خمسة عشر عامًا. الطريف أن المنصوب عليهم أطلقوا عليه اسم “أحمد المسريح” نظرًا لما كان يبدو على هيئته من الثراء والعظمة. ومنذ ذلك التاريخ، يقوم عشرات المستريحين بالنصب على آلاف من الطامعين، ورغم الحملات الإعلامية والأخبار التي يتم نشرها عن تلك الوقائع، إلا أن حلم الثراء السريع ما زال يسيطر على عقول البشر ويشجع المزيد من المستريحين على جمع الأموال والفرار.
“هذا اللي عبا الهوا في أزازة وداق المهلبية”.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى