زمان قالوا “جنة من غير ناس ماتنداس”.. والمقولة دي إن دلت على حاجة فبتدل عن قيمة الحب والترابط والود اللي مفروض يبقى موجود بين الناس وبعضها، لكن هنا هنقف شوية ونقول طبعا مش أي ناس، ويبقى السؤال هنا هم مين الناس دول؟..
الناس دي هي اللي هيكونوا قريبين منك ومن قلبك، قريبين من عقلك ولازم يكونوا حاسين بيك وبظروفك، مشاركينك مرك وحزنك قبل مايشاركوك حلاوة أيامك وفرحك هم دول الناس اللي بحق وحقيقي..
في البداية خالص عايز أقولكم لازم نفهم صح معنى جنة عشان حشا لله أن يكون المقصود بيها جنة الحساب ولكن المقصود بيها أنها أجمل الأماكن وأحلاها، كمان عايزكم تعرفوا أن مسمى الإنسان جه من الفعل أنس يعني اطمن وألِف الصحبة..
ودا فعل بيعبر عن حالة الأغلبية العظمى من جنس البشر وحاجتها للونس والعشرة والتفاعل الاجتماعي، وكل دا مش هيحصل إلا لما تكون الناس دي الأقرب ليك ولقلبك، فيكون المقصود هنا بالعنية هما الخلان، والخلان جمع خل والخل هو الصديق الوفي والصاحب الملازم الناصح، هو الصديق الصدوق المخلص في مودّته ليك الوفي في نصحه اللي مش بيبخل بيه عليك..
الخل هو اللي مشورته سبقاه سوا بقى طلبتها منه أو حتى من غير ما تطلبها، فالخل هو الصديق اللي لما بيضيق صدرك بالآلام والمشاكل تجري عليه وترمي جواه أسرارك وأنت متاكد أنه شبه البحر هيستر عيوبك ومشاكلك ويبلعها ويخفيها عن الكل..
هو اللي هيفهمك حتى لو ماتكلمتش ومش هيسيبك إلا لما يزيل همك وترتاح وتحس برضا حتى لو ما بوحتش له باللي مخليك حزين مش بيقولوا الصديق وقت الضيق، عرفتوا بقى أن المثل صح وأن أي مكان مهما كان جماله مش هييقى له أي تلاتين لازمة من غير صحابنا اللي بنحبهم وبيحبونا..
لكن للأسف الشديد في ظل الظروف الصعبة ونتيجة المدنية الحديثة وإيقاع الحياة السريع كان لازم ندفع المقابل وتفقد حاجات كتيرة حلوة منها نكران الوفاء في أغلب المجتمعات النّاس بقت ماتعرفش بعضها إلا لمصلحتهم والنصيحة مابقتش لوجه الله ولكن بقت لغرض في نفس يعقوب، ولمنافع في وقتها لو قضيت أو فشلت المنفعة اختفى الناس من حواليك وحتى الصديق بيتخلى وقتها عن صاحبه.
عرفتوا ليه العرب حطوا الخل الوفي في قايمة المستحيلات وبالتحديد في المكانة التالتة، فالخِل الوفي عند العربِ هو واحد من المستحيلات التلاتة اللي هي الغول والعنقاء والخل الوفي، ومن رأيي المتواضع أنه أصعبهم لأن الغول والعنقاء من الأساطير، لكن الصديقِ الوفيِ المخلِصِ صعب تلاقيه..
الصديق عملة نادرة فعلا، دا أوقات كتيرة بنقعد ندور عليه طول ما احنا عايشين ويا نلاقيه أو مانلاقيهوش، ودا لأنه نادر الوجود ومن المستحيلات، كلنا نفسنا في صديق وخل كلنا بندور حتى على صورة تشبه الصديق كلنا بنطمع أننا نحصل على المحبة والإخلاص، وأننا نلاقي الخل اللي يحبك زي مايحب نفسه ويخلف عليك..
وعشان كدا بتكون أجمل هدايا القدر لما يهديك شخص تلجأ له في محنتك وسعادتك عشان يكون لك الملجأ والسند، الحياة وقتها بتبقى ألطف وأخف على النَفس بمراحل من وجودك وحيد وروحك مستنزفة بالكامل..
خدوها نصيحة مني لو قابلكم في حياتكم الصديق دا اتمسكوا بيه أوي وحافظوا عليه اعرفوا أن الدنيا مش يتكرر هداياها، وأنه لو راح منكم ممكن تعيشوا العمر كله بتدوروا وبرضه ممكن ماتلاقوش، ياريت نعمل كدا عشان مانرجعش نندم ونقول يا ريت اللي جرى ماكان.
مش كدا ولا اييييييييييه؟
بقلم
عمرو مرزوق
