دار في خاطري| محاكاة الواقع
في أحد المطاعم الفخمة جلس السيناريست الشاب برفقة المخرج الشاب، والممثلة الصاعدة، والمنتج الشهير الذي سيتولى إنتاج الفيلم الجديد إيمانا منه بقدرات ومواهب الشباب، ولقد اجتمعوا ليعرض عليهم السيناريست قصة الفيلم الجديد، ووضع الخطوات الأولى للتنفيذ.
وبعد تناول الغداء، وأثناء احتساء القهوة قال السيناريست في سعادة بالغة: اسمعوا قصتي التي أتوقع لها نجاحا كبيرا، فأصغى إليه زملاؤه فراح يقول: إنها قصة لشاب مستقيم، وعلى خلق قويم، ومن أسرة فقيرة، بالكاد تجد قوت يومها، يتوفى الأب إثر أزمة قلبية، فينقطع ذلك الدخل القليل، فيجد الشاب نفسه مسئولا عن أمه التي ستصاب بمرض عضال ويحتاج علاجها الكثير والكثير من المال، وخمسة من الإخوة والأخوات الذين بحاجة إلى المال من أجل احتياجاتهم الأولية من مأكل وملبس وتعليم، ومن أجل هذا يترك الشاب دراسته ويلجأ للعمل الشريف الذي سيبحث عنه كثيرا ولم يجده، ثم تنهكه الديون، فيقرر سرقة محل المجوهرات الذي يمر عليه كل صباح.
ثم صمت للحظة وارتشف رشفة قهوة من فنجانه وهو يختلس النظرات للجالسين ليرى وقع قصته عليهم، ولكن الصمت كان سيد الموقف، فأكمل قائلا: لم تفلح محاولة السرقة ويفر هاربا قبل افتضاح أمره، فيقع فريسة بين براثن تجار المخدرات، وتتوالى الأحداث حتى ينتهي به الحال بأن يصبح قاتلا محترفا، والسيناريو سيوضح التفاصيل الخاصة بالشخصيات، ثم نظر إلى الممثل وقال: أعلم أنك سوف تخرج جوانب أخرى للبطل تجعل الجمهور يتعاطف معه، فيلتمسون له الأعذار، وأنا على يقين بأن الصيحات التشجيعية سوف تنطلق من الجمهور في كثير من المشاهد، كمشهد السرقة، سيجد تشجيعا ليأخذ المجوهرات، وتشجعه لحظة الهرب وهكذا.
ومن جديد لحظة صمت أخرى ولكن في هذه المرة حدقت أنظار الجالسين بوجه المخرج، فقطع ذلك الصمت قائلا: لا! أنني أرفض هذه القصة، ثم استأذن وغادر المطعم دون إبداء أي سبب للرفض.
وبعد مرور ثلاثة أيام لم يحاول أحد منهم الحديث عن الفيلم، اجتمع الزملاء في بيت المخرج، وفي محاولة لمعرفة سبب رفض قصة الفيلم قال المنتج: يبدو أنك رفضت قصة الفيلم لتشابه الفكرة بعدد من الأعمال، ولكني أظنها تختلف كثيرا عما قدم من قبل، ونجاحها مضمون لأن تلك الأفكار هي التي تروق للشباب، لأنها تحاكي واقعهم.
وعندئذ خرج المخرج عن صمته قائلا: خطأ هذا لا علاقة له بالواقع، إنه لمن المستحيل أن يسبب الله الأسباب ويضع بوجه إمرئ العراقيل، ثم يوصد بوجهه جميع الأبواب دون بابا واحدا هو باب الضلال، إن ذلك تفكير شيطاني ينفثه في عقول ضعاف النفوس، إن الله عز وجل عندما يبتلي الإنسان يبتليه بما يستطيع تحمله، ويفتح له سبل الخلاص، فيختار ضعيف الإيمان السبيل الأسهل وهو سبيل الشيطان مبررا لنفسه وللجميع بأنه السبيل الأوحد، موافقتي على هذا الفيلم تعني مشاركتي في تثبيت تلك المبررات في عقول الشباب.
ثم نظر إلى السيناريست وقال: غير من فكرتك فأنا لن أقدم إلا ما يدخل الأمل في نفوس الشباب، فاجعل من بطلك مثلا يقتدى به حقا، ويشجعه الجمهور في طريقه المضني نحو الخير، فإنني لن أجعل الجمهور يتعاطفون ويشجعون بطلهم المجرم، السارق، القاتل المحترف، فأمثال بطلك هذا مكانهم الوحيد الذي لابد أن يشجعهم الجمهور للوصول إليه هو خلف قضبان السجون.
بقلم:
ريم السباعي