رؤى التحول الاقتصادي والطاقة| العالم على مفترق طرق.. البريكس وأزمة الدولار الأمريكي
مع تسارع وتيرة التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، يبدو أن النظام الاقتصادي الدولي يقف على حافة تحولات جذرية. أحد أبرز المحاور في هذه التحولات هو مجموعة البريكس والتي تضم الدول الأسرع نمواً في العالم وهي الصين، وروسيا، والهند، والبرازيل، وجنوب أفريقيا، إلى جانب الأعضاء الجدد مثل مصر والإمارات والسعودية. هذه المجموعة لا تمثل فقط تحدياً للنظام الاقتصادي الغربي، بل تمثل رؤى بديلة لإعادة توزيع النفوذ الاقتصادي العالمي.
في السنوات الأخيرة أثبتت البريكس أنها ليست مجرد تجمع اقتصادي بل كيان يسعى لتغيير قواعد اللعبة. التوجه نحو تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي ، سواء من خلال تعزيز التجارة بالعملات المحلية أو مناقشة إصدار عملة موحدة، يمثل تهديدا مباشرا لهيمنة الدولار على الأسواق العالمية. الخطوة وإن بدت معقدة ومليئة بالتحديات التقنية والسياسية ، تحمل في طياتها إشارات واضحة على وجود رغبة حقيقية لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي.
الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب المعروف بتوجهاته الحمائية وشعاره الشهير “أمريكا أولاً”، لم يتأخر في التعبير عن قلقه. تهديده بفرض رسوم جمركية تصل إلى 100% على منتجات دول البريكس إذا أقدمت على إصدار عملة موحدة بعيداً عن الدولار هو تصعيد غير مسبوق. هذه التصريحات تعكس إدراكا أمريكيا متزايدا بأن دور الدولار كعملة احتياط عالمية لم يعد أمراً مسلماً به.
ولكن السؤال الأكبر: هل يستطيع ترامب تنفيذ تهديداته؟
تجربة ولايته الأولى تقدم بعض الإجابات. نجح ترامب بالفعل في فرض رسوم جمركية قاسية على الصين في إطار حرب تجارية أضرت بالاقتصادين الأمريكي والصيني على حد سواء. ورغم ذلك فإن هذه الإجراءات لم تمنع الصين من المضي قدماً في تعزيز مكانتها الاقتصادية العالمية. على العكس ، أصبحت الصين أكثر عزما على تقليل اعتمادها على النظام المالي الغربي من خلال إطلاق مبادرات مثل مشروع الحزام والطريق.
أما روسيا التي تواجه عقوبات غربية خانقة منذ عام 2014 فقد تمكنت من الصمود بفضل تنويع شراكاتها الاقتصادية وزيادة التعاون مع دول البريكس. الهند بدورها رغم خلافاتها التجارية مع الولايات المتحدة ، لا تزال ترى في البريكس منصة لتعزيز مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
إذا أخذنا في الاعتبار الأعضاء الجدد للبريكس مثل السعودية والإمارات نجد أن هذه الدول ليست مجرد أرقام في المعادلة ، بل تمتلك احتياطيات هائلة من الطاقة والنفط ، ما يمنح البريكس دعماً إضافياً لمواجهة أي ضغوط أمريكية محتملة.
ترامب قد ينجح في فرض عقوبات أو تعريفات جديدة، لكنه سيواجه معضلة كبيرة. فالحرب التجارية ، خاصة إذا توسعت لتشمل دولا عديدة لن تؤدي سوى إلى زيادة التضخم داخل الولايات المتحدة وارتفاع الأسعار وتقليل قدرة المواطن الأمريكي على تحمل التكاليف المعيشية. هذه المعطيات تجعل تهديداته سلاحاً ذو حدين.
على الجانب الآخر تسعى دول البريكس إلى إيجاد نظام مالي بديل يكون أكثر عدالة وشمولا. هذه الجهود قد لا تؤتي ثمارها فورا لكنها تمثل رسالة واضحة بأن العالم لن يبقى رهينة لنظام اقتصادي قائم على الدولار وحده.
يبقى المستقبل غامضا لكن المؤكد أن العالم يشهد إعادة تشكيل لقواعد الاقتصاد الدولي. البريكس بقيادتها الطموحة تواجه تحديات هائلة، لكن لديها أيضا فرصا كبيرة. في المقابل الولايات المتحدة بزعامة ترامب تسعى للحفاظ على تفوقها بأي ثمن.
السؤال الذي يجب أن نطرحه: هل نحن أمام بداية النهاية لهيمنة الدولار؟ أم أن النظام العالمي قادر على استيعاب هذه التحولات دون أن ينفجر؟ الإجابة ستتضح خلال السنوات القادمة لكن المؤكد أن العالم كما نعرفه اليوم لن يبقى كما هو غداً.