كاتب ومقال

الكتابة وناسها| صديقي الطيب

بقلم: عبد الرحمن السواح

عبد الرحمن السواح

لا أحب أن يتم دفني ليلًا وكأن الدنيا حملتني سفاحًا. لا أريد أن يختلسني الموت أثناء غفوة العالم، أريد أن يشير الناس إلى جنازتي وعيونهم مشدوهة، ومثبتة على النعش.. لم يكلف أحدهم نفسه ولو لمرة واحدة أن يعرف شيئا عن حياتي، لذا أتمنى أن يعرفوا جميعا كل شيء عن موتي، حتى هذه الرسالة..

كما أنه ليس من العدل أن أحيا وأن أموت في الظلام.. أعرف أنه لا يمكنني الهروب من ظلمة القبر، لكن يمكنك أن تحميني من ظلمة العالم الخارجي ولو لقليل من الوقت.. ضع جثتي في الشمس لدقائق، وبعد قليل سوف أمكث في برودة أبدية..

قبل هذه البرودة، اسمح لي أن أخبرك بأن الحياة كانت عبثية جدًا معي، ووضعت في طريقي كل أشواكها السامة، كل الألغام.. حتى صرت معتادًا على الموت. كل يوم يموت بداخلي شعاع. مع كل تلويحة وداع يتوقف قلبي، ومع كل حلم ينطفئ أموت..

عشت أنازع الحياة، وها أنا أموت بكامل ملامحي الهادئة. أكنت أستحق كل هذا القبح؟! لعلك الآن تتفهم بعض أسباب ثورتي على الوجود.. لا أعتقد أن الخالق يحب هذه المهزلة.

لا أعرف لماذا – الآن- بالتحديد أتذكر حديثي معك عن الخفافيش.. الطبيعة منحته وجهًا بشعًا، ولذا آثر أن يختفي عن أعين الخلق، تمامًا كما يهرب الإنسان من تنمر أخيه.. الفرق هو أن الخفاش لا يفعل ذلك.. حياته هادئة ومنظمة؛ تبدأ حين تنتهي حيوات العالم.. في الليل يمارس حبه ويخطط لانتقامه.. نعم أسميه انتقامًا، رغم الأرواح التي افتقدناها وما زلنا نفتقدها بسببه.

في الماضي قتلت الصين ملايين العصافير في وقت واحد، بزعم الحفاظ على المحاصيل الزراعية، وأقوات شعبها، واليوم ينتقم هذا الطائر لأخيه..
الأعداد التي يحصدها كورونا أقل بكثير جدا من الأعداد التي يحصدها الإنسان.

الإنسان الصيني مثلا صار يأكل كل ما تقع عينه عليه؛ يأكل اللحوم البشرية، ولو أنه في جوعه تمكن من خلع ذراعه وأكلها لفعل ذلك مثلما كان يفعل القريشيون مع آلهتهم.. يتغذى على الحيوانات، والنباتات، والطيور، والزواحف، والخفافيش..
في حين أن الخفاش كان أنبل؛ فلم يصب طائرًا مثله، بل أصاب كائنًا مفترسًا، لا يتورع عن قتل العالم.

طبعًا سيتم تلحيدي ودفني على الطريقة الإسلامية، أنا سعيد جدًا لذلك.. في رأيي هذه أفضل طرق الدفن، حيث يمكن لخلاياي أن تنبت مرة أخرى في شجرة أو أن تدخل في تكوين طائر أو هيكل حيوان.. أو أن يتم استخدام طينتي في صنع مواد للبناء.. أو أدخل في تكوين قرد! في هذه الحالة يمكنني هدم نظرية الأخ داروين رأسًا على عقب! لكنه أيضًا سيثبت نظرية التطور التي تجادلنا فيها كثيرًا.

بالمناسبة مؤخرًا -وهذا أمر سري للغاية- اقتنعت برأيك حين قلت لي “أنت تؤمن بتطور الأنواع؛ فاليرقة مثلًا كانت حشرة ثم صارت طائرًا على هيئة فراشة، لكننا منذ آلاف السنين لم نشاهد أو نسمع عن قرد أصبح إنسانًا، أو عصفورا صار غرابا..”

هناك أمر آخر جعلني أقتنع برأيك هو أن الإنسان أقل بكثير من أن يكون نسلًا للقرد.. يمكن أن يكون نسلًا للذئب..، لا.. حتى الذئب أرقى من ذلك! أعتقد أنه لا يمكن لأي كائن أن يكون أصلا له. الإنسان أصله إنسان. وهذا أبشع ما في الأمر.

 

نبذة عن الكاتب

عبد الرحمن السواح

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

خريج كلية دار العلوم، وحاصل على الماجستير في البلاغة والنقد الأدبي

صدر له رواية “حضرة المجذوب”
له مجموعة قصصية “تحت الطبع”

للتواصل :

[email protected]

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى