كلمة ورد غطاها| مسرح الفيسبوك
غريب هو أمر الفيسبوك، يراه البعض مستنقع تفاهة وخراب نفسي وعقلي، ويراه البعض الآخر ساحة للتسلية والترويح عن النفس، ويراه آخرون وسيلة لمعرفة أخبار الدنيا أو للتواصل مع الأهل والأصدقاء. كما ينظر له علماء الاجتماع على أنه وسيلة للتعرف على التغيرات التي تحدث في المجتمعات وما يمكن أن ينعكس على منظومة القيم السائدة فيغيرها أو يبدلها للأفضل أحيانًا وإلى الأسوأ في الكثير من الأحيان. كما ينظر إليه السياسيون ورجال الدين والإعلاميون ورجال الأعمال والطلاب وأولياء الأمور بحسب اهتماماتهم ورغباتهم وما يريدون حدوثه.
والحقيقة أن هذا التطبيق هو كل ذلك وأكثر، وليس هذا استسهالًا لوصف ساحة افتراضية يصعب توصيفها، ولكن هي كذلك بالفعل. قد تتغير نسب كل عنصر من عناصرها بناءً على متغيرات كثيرة، منها المستخدم نفسه ومن يصادق من البشر وما يشترك فيه من مجموعات عامة أو خاصة، بالإضافة إلى ما تفعله به خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي يعتمد عليها التطبيق بصورة متزايدة.
من الأمور المثيرة للدهشة والانتباه أيضًا هي قدرة هذا التطبيق على رفع شخص أو فكرة إلى عنان السماء أو السقوط بها إلى سابع أرض، وهو ما يحدث كل يوم وكل دقيقة بصورة هستيرية صعبة المقاومة. وهو ما يطلق عليه المستخدمون أحيانًا تعبير “طلع على المسرح”، وهو لتشبيه الشخص أو الفكرة بشخص مضطرب خجول تم الدفع به إلى منتصف خشبة المسرح مع تسليط الكثير من الأضواء على عينيه، مما يجعله في حالة خدر شديدة مع عدم القدرة على رؤية الجمهور الموجود في الصالة. ولكن يترامى إلى مسامعه ما ينادونه به وما ينعتونه به من صفات، وما يصفونه به من شتائم أو عبارات مدح وإطراء.
هذا الشخص البائس لا يستطيع الرد على كل ما يقال. في الحقيقة، فإن أغلب من يصعد إلى المسرح بهذه الصورة سيصاب بالشلل التام، فلا هو قادر على الرد ولا قادر على الهروب ومغادرة خشبة المسرح. ولذلك فإنه يبقى على أمل من اثنين: أولهما أن تنتهي المسرحية ويسدل الستار، أو أن يصاب الجمهور بالملل والضجر منه ومن قصته، سواء نتيجة لانتهاء ما في جعبتهم أو لظهور ضحية – أو متهم – جديد على أحد جوانب المسرح، حيث يتم تغيير وجهة كشافات الإضاءة من الضحية القديمة إلى الضحية الجديدة. وهكذا تستمر المسرحية بلا هدف وبلا نهاية، وفي أغلب الأحيان بلا حكم عادل على الشخص وبدون معلومة أو درس أو حكمة تضاف إلى الجمهور المحموم.