أحمد سليمان
نظر يوسف إلى ساعته في قلق وهو ينتظر الطبيب خارج غرفة العمليات أي أنباء عن عملية ولادة متعثرة لرانيا زوجته التي تعاني من داء السكري لذلك احتاجت عملية ولادتها إلى تجهيزات خاصة في المستشفى.
حالة رانيا النفسية كانت قد ساءت قبل الولادة بشهرين بعد أن فقدت والدتها إثر أزمة قلبية مفاجئة لتصبح وحيدة في الدنيا إلا من زوجها، فهي وحيدة أبويها وقد توفي أبوها منذ بضع سنوات.
دارت في رأس يوسف كل الأفكار السيئة، فالشيطان يضع في رأسنا دائماً أسوأ الاحتمال لا من أجل أن نحتاط ولكن ليجعل إيماننا دائماً يواجه شتات التفكير فننسى أن الله يدبر الأمر من فوق سماوات سبع.
إن الموت والحياة متضادان يجتمعان دائماً.. فكرة سيئة لاحت في رأس يوسف، ليظن بأنه سيفقد زوجته ويُرزق بابنة سليمة معافاة، ورغم أن “حديث الصباح والمساء” مجرد رواية من روايات نجيب محفوظ ومسلسل تليفزيوني إلا أن هذا الهاجس ظل مسيطراً على رأس يوسف.
وفي خضم أفكاره السيئة رأى طاقم تمريض بالمستشفى يقوم بجر سرير يحمل سيدة في حالة إغماء ويهرولون بها إلى غرفة العمليات، وبعد قليل حضر شخص يسأل عليها، وقد تبين ليوسف أنه زوج السيدة التي دخلت غرفة العمليات منذ قليل فجاء إليه محاولاً مواساته ليخبره باكياً بأن زوجته أصيبت في حادث سيارة وهي حامل في شهرها السادس، ولم ينس كلمات الزوج التي ألقاها على مسامعه: أنا أدفع كل عمري بس تقوم بالسلامة.. الإنسان طماع أوي.. مش مهم الحمل يكمل.. مش مهم أي حاجة غير إنها تقوم.
فكر يوسف في حاله وبأنه أفضل حالاً من هذا الرجل، فعملية ولادة زوجته في النهاية على أغلب الظن ستتم بسلام عكس السيدة المسكينة التي ترقد بين الحياة والموت وتواجه المصير المجهول هي وجنينها، لكنه هكذا دائماً القلق كاللص يسرق من عمرنا لحظات ولحظات حتى إذا ما وصلنا للحظة النجاة أدركنا كم كان لعينا هذا اللص الذي يهدر من عمرنا لحظات.. ساعات.. أيام.. أو ربما سنين.
وبعد مرور بعض الوقت جاء الطبيب ليبشر يوسف بسلامة زوجته وأنه قد رزق ببنت لكنها ستقضي بعض الوقت في حضانة المستشفى لحاجتها إلى ذلك، وما كاد يوسف يسمع كلمات الطبيب الأولى حتى تهلل قلبه فرحاً قبل أن ينقبض صدره مرة أخرى خوفاً على الطفلة حديثة الولادة، وكأن القلق هو وحي من الشيطان ينسينا النعم التي تمنيناها منذ لحظات.
وظل القلق على ابنته يساوره حتى خرج بها سليمة معافاة بعد شهر، ولكن القصة مع القلق والخوف الذي وصل إلى حد المرض لم ينته في أيامه، أو سنواته القادمة، فما بين خوف على زوجته من حمل آخر، وخوف من أن يترك ابنته وحيدة بلا أخ فتكون مثل أمها فاقدة للسند من بعد أبيها وأمها، وما بين خوف وخوف وخوف نفوز حيناً على ما يخيفنا ونخسر أحياناً فيُسرق من عمرنا نصيب لا بأس منه.
إن الإنسان يولد في لحظة، ويموت في لحظة، وبينهما يولد ويموت مئات المرات، فلحظات الفرح ميلاد ولحظات تخلصنا من الخوف ميلاد ولحظات نجاحنا ميلاد، ولكن الحياة تصر أن تميتنا أيضاً قبل أن تُقبض أرواحنا بالقلق والخوف واللحظات الصعبة.
نبذة عن الكاتب
أحمد سليمان
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
محرر صحفي تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة
صدرت له 4 كتب
منهم ديوانا شعر باللغة العربية “بلاء عينيك أطلال”
مجموعتين قصصيتين “مواسم الموت وعيادة فقدان الذاكرة”
للتواصل :