كبسولة عم فؤاد| الراحمون يرحمهم الرحمن
اعتنق الإنسانية أولًا ثُمَّ ما شئت من الأديان، لا يهم إن كنت مسلمًا أو مسيحيًا أو حتى يهوديًا، المهم أن يكون لديك تلك الصفة التي وضعها الله في قلوب عباده ألا وهي الرحمة، وما نراه الآن للأسف الشديد في بعض مجتمعاتنا العربية بصفة عامة، والمصرية بصفة خاصة يجعلنا نتساءل..
هل بلغت القسوة بالقلوب إلى درجة الفتك بتلك الحيوانات المشردة لمجرد أنهم لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم أو حتى رد الأذى، وكل ما لديهم هو تلك العبرات المختنقة الحبيسة داخل مآقي العيون، ويصحبها الأنين الخافت الذي لا يسمعه إلا الله؟
فلتضعوا نصب أعينكم أن من أبكى مخلوقًا ظُلمًا أبكاه الله قهرًا.. فالحيوان ما هو إلا شريك الإنسان في الأرض، والأرض ليست حِكْرًا على البشر فقط.
في البداية يجب أن نعلم أن الحيوان له حقوق تتمثل في الرفق، والرعاية، والرحمة، شأنهم كشأن الإنسان تمامًا إن لم يكن أكثر، وأن ندرك أنه لو كان الحيوان جزءًا من حياة الإنسان، فالإنسان حياة الحيوان بأكملها.. كلماتي ستكون مقتصرة على تلك الفئة التي تحمل لقب إنسان.
ألم يأن الأوان لكي ننظر إلى عالم الحيوان في مجمله نظرة واقعية ترتكز على أهميته في الحياة، ونفعه للإنسان، وتعاونه معه في عمارة الكون واستمرار الحياة؟
ألم يأن الأوان أن نقر بكون الحيوان ذي أهمية قصوى تحتل ملء السمع والبصر في كثير من مجالات الفكر والإنسانية؟
ليتنا نتعلم كيف تكون الرحمة تجاه جميع الكائنات الحية؟ وليتنا ندرك أنها علامة لقياس التحضر في المجتمعات المدنية.
فالرفق والتراحم يشكلان ألف باء في كتاب الإنسانية وهما ليسا حكرًا على ثقافة أو مجتمع بعينه.
وعلى النقيض من ذلك، القسوة ومن أبشع صورها الافتراض بأن الحيوانات بلا حقوق، والوهم بأن معاملتنا لها ليس لها أهمية أخلاقية، يا له من مثال مشين، وبشكل إيجابي إن دل على شيء فإنما يدل على مدى الفظاظة والوحشية.
تيقنوا أن للحيوانات مشاعر مثل البشر، إن لم تكن أرقى لأنها مشاعر بلا مقابل، وبلا مصلحة، والكائنات الوحيدة التي تقدم لنا الحب غير المشروط، فهي تتعامل بفطرتها، وليست على حسب ما تحققه من استفادة من الأشخاص المحيطة.
فقط انظروا إلى عينيها، وستعرفوا كل شيء. الحيوانات، يا لها من مخلوقات رقيقة وجميلة، فقط علينا ألا نؤذيها أو نحمّلها فوق طاقتها، فإيذاء الحيوانات جريمة من أشد الجرائم التي لا يوجد لها قاضٍ، ولا يوجد لها محامٍ ليدافع عن حقوق المجني عليه بهذه الجريمة.
ولأن الرحمة والإنسانية هي اللغة الوحيدة التي أبجديتها وكلماتها لا نحتاج سمع أو بصر أو تعليم، فقط كل ما تحتاجه قلب نابض لا يشينه غياب الرفق والتراحم، وضمير يقظ.
الرحمة لا ترتبط بفقر أو غنى، أو ديانة إنما هي شيء يضعه الله في قلوب عباده، فيجب أن نكف عن الإساءة للحيوان.
تعلموا إن لم تستطيعوا الإحسان في استضافتها، فعلى الأقل ساعدوهم كي يستطيعوا العيش بلا خوف بأبسط الطرق، فرب آنية بلاستيكية بها مياه في شرفاتكم أو تحت ظل شجرة ستعني الكثير، ستكون لهم الحياة في يوم قائظ.
تعلموا أن تعطوا للمساكين مساحة من الأمان ليكونوا ممتنين لكم إذا تركتموهم يشربون من بركة ماء في الطريق، ألا تعلموا أن الله قد غفر لبغيّ بني إسرائيل التي سقت كلبًا في يوم شديد الحرارة؟
تعلموا أن بضعة لقيمات لا تسمن ولا تغني من جوع لدينا نحن البشر، ولكنها ستنقذ أرواحًا مسكينة عجماء لا تحسن الطلب باللسان.
تعلموا أن فقط الأمان يعني حياة بأكملها لتلك الأرواح التي لا تملك من أمرها شيئًا، ولكن أين ذلك الأمان؟
ألا نستحي من القيام بتسميم حيوانات الشوارع؟ ألا نخجل من المشاركة في تصديرها لتلك الدول المعروف عنها قسوتها في التعامل معها وتعذيبها بشتى الطرق والتي تصل أحيانًا إلى الطهو وهم أحياء؟
وذلك لأنه كلما زادت مدة تعذيب الحيوان قبل موته، كلما تزايد إفراز هرمون الأدرينالين التي يتحسن معها طعم لحومها من وجهة نظرهم المريضة ونفوسهم الشرهة.
ألا نستحي من الفنون التي تشيع هنا وهناك والتي لا تتم إلا بتعذيب الحيوان بإغراء بعضه على بعض وتهييجه، كمصارعة الثيران، ومصارعة الديكة، والكباش ونحو ذلك، أو نصبه هدفًا للرماية والصيد، أو قتله بدون فائدة ولا منفعة، ألا نستحي من إرهاقه بالعمل الشاق، وإذا اشتكى فتكون النتيجة أذيته في بدنه أو لطمه على وجهه؟
حقيقي أن الله قد أجاز للإنسان أن يستعمل حقه في الانتفاع بالحيوان ولكن بشرط أن يتم ذلك على الوجه المشروع، وأن يكون مشروطًا بالإحسان إليها، كما أحسن الله إلينا بوجود هذه المخلوقات المسخرة لنا، وليس بشيء من التعسف والعنف.
ألا تتفقون معي أنه من الرحمة بالحيوان والطير عدم جواز تعذيبها أو تجويعها، أو تكليفها ما لا تطيق، ولا ينبغي اتخاذها هدفًا يُرمى إليه بالسهام والحراب؟ وإلى الله المشتكى، فأين تلك الرحمة التي تزعمون استيطانها في قلوبكم؟
وما أكثر الكتابة والتشدق بكلمات رنانة وجمل مسجوعة عن الرفق بالحيوان، وما أقل العمل بسطر واحد مما كُتِبَ أو مما قيل.
كونوا على يقين تام بأن من أبكى مخلوقًا ظلمًا أبكاه الله قهرًا، فالراحمون يرحمهم الله فاتقوا يومًا ترجعون فيه إلى ربكم، وسوف يقتص لحق كل تلك الأرواح البريئة التي تحيا بيننا ولسان حالها يقول:
“كُتِبَ الذل على المستضعفين”.
“وغدًا عند الله تجتمع الخصوم”.
ولا أجد ما أختتم به حديثي إلا مقولة ديستوفيسكي الرائعة: “أيها الإنسان لا يحملنك كبرياؤك على التعالي على الحيوانات فهي بلا خطيئة، أما أنت فإنك مع عظمتك تدنس الأرض بوجودك، وتُخَلِّف أثرًا نجسًا حيث تمر”.
مش كدا ولا اييييييييه؟