كلمة ورد غطاها| ما تمشيش حافي
“ما تمشيش حافي”.. عبارة سمعناها جميعًا من الأمهات في زمن الطفولة ولم نكن نقدر معناها ولا مغزاها ولا نعتبر بها إلا بعد أن نصاب بجرح ونشعر بالألم. فالإنسان فُطر على الحرية ولا يحب القيود حتى وإن كان مجرد “شبشب بيت”، بالرغم من الأخطار التي يراها ويتعرض لها أثناء سيره حافيًا.
وبالرغم من أن العلماء لم يستطيعوا بدقة تحديد متى بدأ الإنسان في ارتداء الحذاء، إلا أن النقوش القديمة داخل الكهوف وعلى جدران المعابد تشير إلى أن هذا الأمر ربما يعود إلى أكثر من 40 ألف عام حينما كان الإنسان يقوم بتغليف قدميه بأوراق الأشجار والأغصان الناعمة أو جلود الحيوانات من أجل الحماية. كما انتشرت الأساطير التي تتحدث عن البداية، مثل تلك التي تقال عن أحد السلاطين الذي كان عائدًا من رحلة صيد طويلة أصابت قدميه بالورم والألم، فما كان منه إلا أن أمر مرافقيه بتغطية مسار على طول الطريق بطبقة من الجلد، وحينئذٍ انبرى أحد الحضور مقترحًا أن يقوم بتغطية قدميه بتلك الطبقة بدلاً من تغطية الأرض، وبذلك يستطيع أن يتحرك أينما شاء.
في العصر الحالي – عصر المعلومات والشبكات – يتعرض الإنسان لنوع آخر من الحفاء، حفاء ذهني وعقلي ونفسي يجعل العقل والوجدان عرضة للكثير من الأخطار، والمتمثل بعضها فيما ينتشر من تفاهات وشائعات وأخبار خاطئة ومغلوطة تثير الكثير من اللغط والجدل عديم النفع، ولا ينتج عن ذلك إلا الانصراف عن ما هو مفيد إلى ما هو ضار وأحيانًا خطير، بالإضافة إلى ما تحدثه تلك الأنشطة من تأثيرات سلبية على الصحة النفسية والبدنية، والمساهمة في انتشار حالات الاستقطاب بكافة صوره، وكذا أيضًا التغييرات المتوقعة على الهوية والثقافة والقيم والعادات والتقاليد والأعراف.
هذه المخاطر تطورت واستفحلت كثيرًا في الآونة الأخيرة، خاصة مع انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تتهم بعدم الدقة والانحياز والمساهمة في عمليات التزييف ونشر الشائعات والأخبار غير الصحيحة، بالإضافة إلى السيطرة على العقول والمعتقدات من خلال تحليل ما يقوم به المستخدمون وتعريضهم لما يصرفهم عن الأمور الهامة.
إذاً، الأمر يحتاج إلى “حذاء رقمي” أو “حذاء عقلي” يرتديه المستخدم لتلك الشبكات والمنصات والأنظمة لكي يحافظ به على سلامة عقله ومعتقداته ووجدانه ومشاعره وإنسانيته، وهذا الحذاء ببساطة هو “الوعي”.
الوعي بما يدور حوله وكيف يدور، والتركيز على أعمال العقل والشك والتشكيك في كل ما يتعرض له، إلا بعد أن يمر على فلاتر التحليل والمقارنة والبحث عن الحقيقة خارج تلك الدوائر أيضًا. ولذلك، أرى أن نصيحة الأمهات ما تزال هامة وسارية في هذا العصر أيضًا. لذلك، عليك عزيزي القارئ أن تتذكر كلما دخلت إلى هذا العالم أو رأيت أحدًا يستخدمه أن تردد قائلًا: “ما تمشيش حافي”.