كاتب ومقال

إبداعات كلمتنا| “حلم الأفيش”

السيجارة الخامسة في أقل من نصف ساعة، مشاعر الغضب والحيرة تتغذى على دخان السيجارة بين شفتيه، مشاهد عشر سنوات تداخلت في رأس حاتم بفوضى وعشوائية وشراسة، لم يصدق نفسه وهو يسمع نهى زوجته وهي تخبره بقرار عودتها للعمل في السينما، شرطه الوحيد عند زواجهما أن تترك عملها وتتفرغ لبيتها ولأسرتها..

عشر سنوات من الالتزام بالاتفاق، حتى عاد يوسف مخرجها ومعلمها من الخارج بعد الفضيحة المدوية وممارسة عمله من جديد، أغراها يوسف بعدة أعمال متتالية من العيار الثقيل والإنتاج الضخم، ستصبح مساعد المخرج الأول في كل الأعمال القادمة،
فرصة العمر وحلم السنين، بعدهم بكل سهولة ستصبح مخرجة يزين اسمها نهاية تتر فيلم سينمائي تملأ أفيشاته الشوارع والميادين..

ثار.. صاح بغضب واستهجان، ضرب الأثاث من حوله بغضب عارم حتى جرح يده، كيف بعد أن أصبحت زوجة وأم تعود للعمل مع صانع الفضائح؟! كيف يمكنه تبرير عودتها لمن حولهم، يوسف بطل مجموعة ضخمة من الأفلام الإباحية والفيديوهات المسربة مع عدد كبير من الباحثات عن فرصة العمل بالسينما، إذا عادت للعمل معه من جديد وبعد أن أصبح محط الأنظار، لن يصدق أحد أنها شريفة لا تفعل الخطيئة..

أسابيع من الشجار والنقاش والجدال دون جدوى، تدخل الجميع بينهم لتقريب وجهات النظر، ولم يحدث شيء غير مزيد من الخلاف والعناد، نهى أصابها العمى. لم تعد ترى شيئًا غير أفيش كبير مزين باسمها بالبنط العريض، شهوة الشهرة لا علاج لها ولا شفاء، حاتم قلبه يحترق.. عقله يحترق.. جسده يحترق ويكاد ينفجر من شدة الغيظ والغضب..

كان يظن أن العشق بينهم أقوى من أي شيء، أقوى من الأحلام والأمنيات الخاصة وحتى من شهوة الشهرة، فر من أزمته لزجاجات خمر من النوع الرخيص، أحدهم أكد له أنها ستخرجه من غضبه وتنسيه كل تخيلاته الموجعة، نهى تصر على الطلاق والعدو خلف حلمها، رغبتها في الطلاق عقاب له على اتهامها بأنها مجرد ساقطة أو عاهرة لن تتأخر عن تلبية دعوة يوسف للفراش وكأنها لا تعرف شيئًا غير ذلك، طعنها في شرفها من قبل حتى أن تعلن موافقتها النهائية على العودة لعملها السابق..

جريمة حاتم حدثت ومؤكدة، بعكس جريمتها التي لم تتعدَّ كونها مجرد تخيل منه وعدم ثقة، حاتم يرجوها ويذكرها بما كان بينهم من وعود، وهي تصر أنه خسرها للأبد لافتراضه قبولها بفعل الخطيئة، شرح لها عشرات المرات أن ثقته فيها لا وطن لها في عقول الآخرين، زجاجة الخمر الرخيصة تضع الأسئلة أمام عقله، هل سيفعلها يوسف مع نهى..

هل فعل الخطيئة سيكون ثمنًا لحلم الأفيش؟ هل يعلن موافقته على العودة للعمل معه ويصدق حديثها عن ذهاب زمن التنازلات؟ أم يطلقها ويرفض أن تظل زوجته وهي تعمل مع أشهر الذئاب؟ فرصة الخطيئة أكبر في أيهم، وهي زوجة أم وهي مطلقة؟ زجاجة خمر تخبره أن الخيانة متوقعة إن أعلن موافقته وعندها قد يقتلها أو يقتل نفسه، وزجاجة أخرى تخبره أن الخيانة مؤكدة إن عادت للعمل مع يوسف وهي مطلقة..

الغيرة وحش مفترس ينهش روحه وقلبه، حلم الأفيش أكبر من حبها له ولأولادهم، زجاجات الخمر تتعاقب والأسئلة تنهال فوق رأسه بلا رحمة، فقدانه للوعي والإدراك يجعله يرى اسم نهى بالبنط العريض فوق أفيش عملاق، الاسم يتراقص.. ثم يراها ترقص وهي تتعرى ويرى وجه يوسف وهو يضحك بخبث وشر، يترنح جسده ويبذل جهدًا كبيرًا وهو يهجم على الحائط أمامه يحاول تمزيق الأفيش وضرب يوسف في وجهه، يفقد التوازن وزجاجة الخمر تحكم سيطرتها عليه ويغرق في النوم وما زالت نهى ترقص بجوار الأفيش.

بقلم
أحمد عبد العزيز صالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى