كبسولة عم فؤاد| الإهمال مالوش كبير
ما كذبتش المثل اللي بيقول “بيت المهمل يخرب قبل بيت الظالم”، لأن ده حقيقي جدًا، خصوصًا لأن أي خسارة بتحصل بيكون سببها التقصير والإهمال. واللي بيفهمها صح هيفهم أن الإهمال هو صانع الظلم. المسألة مش عويصة أوي للي بيفهمها صح.
وده لأن الإهمال بداية النهاية لكل حاجة حلوة. وياريت الأمر بيوقف على الضرر بس، لكن ده بيعتبر جريمة في حق كل اللي بيقع عليه الإهمال، وهنا بيحصل الظلم. عارفين السوس اللي بينخر في الخشب ويحوله لتراب؟ هو نفسه الإهمال برضه. بيعمل كده وينخر في أي حاجة كويسة ويقضي عليها.
لازم نعرف أن الإهمال مالهوش كبير ولا صاحب ولا حد معين، لأنه زي الحرباية له ألف شكل وألف لون. لا له سن معين ولا ثقافة أو تعليم، ولا حتى حد معين بيقف عليه. وده لأن القليل منه بيولد الكثير من الأذى، ويبدأ بضياع الحاجات البسيطة ويتحول لضياع الأفراد وينتهي بضياع المجتمع وتدهور العلاقات الاجتماعية وتمزقها، وكمان ضياع الثروة وإفقار الأمة.
تعالوا نبص حوالينا ونشوف أشكال مختلفة، ناخدها واحدة واحدة. بيت جميل مفروش بأحسن فرش وفيه أحسن الأجهزة، لكن فيه إهمال ومحدش يهتم بترتيبها ولا صيانتها، فتكون النتيجة أنه هيخرب بسرعة.
تعالوا نشوف شكل تاني، مثل الأطفال اللي بتنحرف من صغرها لسبب بسيط جدًا وهو إهمال أسرتهم. ومحدش يقول لي بسبب الفقر، ياما ناس فقرا ربنا ولادهم أحسن تربية. إهمال بحق الوالدين، وإهمال بحقوق الجيران.
ولا العمارات اللي بتتهد فوق دماغ سكانها بسبب الإهمال، وكمان المرضى اللي بيفقدوا حياتهم أو يصابوا بعاهات تحت مسمى الخطأ الطبي، ولا كمان الحرائق والحوادث.
عاوزين صور تانية؟ شوفوا إهمال نظافة الشوارع وعدم الالتزام بقواعد المرور. مشوار الإهمال طويل، لكن زي ما قلنا، أول خطوة فيه وأخطره هو الإهمال الأسري. وده نتيجة غياب ترتيب الأولويات والجهل بمتطلبات الأسرة. الأب غايب معظم الوقت لتحسين ظروف حياة أسرته المادية، والنتيجة إهمال جوانب تانية كتيرة. وللأسف، بيكتشف ده بعد فوات الأوان وبيضيع كل حاجة حلوة، وبيهمش دور البيت، اللي كان مهم جدًا للتربية وغرس القيم والأخلاق وتعريفهم الصح والغلط والحلال والحرام.
زمان كانت لمة العيلة شيء أساسي في كل بيت، بالرغم من وجود اللي في المدارس أو الجامعة أو الشغل، لكن كان لازم يجمعهم طبلية واحدة وبعدها صينية الشاي. الكل بيتكلم ويشارك، والكل مهتم بالكل. ومهما كانت الظروف، هتلاقيهم متجمعين ومهتمين ببعض ومشاكل بعض. لكن دلوقتي، بالله عليكم، كام شاب وشابة قاعدين مع أبوهم وأمهم كما لو كانوا قاعدين في لوكاندة؟ مافيش كلام ولا حوار ولا أي اهتمام بيهم، يادوبك مجرد وشوش بتتقابل بالصدفة في مكان بيجمعهم. وحتى في الشوية دول، هتلاقي كل واحد ماسك موبايله وباصص فيه.
ولأن الأسرة هي الأساس في كل السلوكيات السليمة، ولأن كمان “من شب على شيء شاب عليه”، دي حقيقة لعدة أسباب، لكن أهمها والسبب الحقيقي لتفشي ظاهرة الإهمال هو أنه مابقاش فيه أي توجيه أسري للأولاد من الصغر، وبالتالي مابقاش يفرق معاهم إيه الصح من الغلط أو ترسيخ قيم وأخلاق والدين. وده فعلاً من أخطر صور الإهمال. وعشان كده هتلاقي معظم الجيل الجديد تايه ما بين متشدد وبين واحد معندوش أي انتماء، والنتيجة ضياع الاتنين بسبب الجهل نتيجة الإهمال، ودي الخطوة الأولى للضياع بسبب الإهمال.
أنا شايف أن الإهمال نوع صعب ومحزن جدًا ومؤلم. عارفين إيه هو؟ لما نهمل في حق نفسنا ونهمل اللي نحبه ويحبنا، فالإهمال العاطفي، سواء كان سوء معاملة الطرف التاني أو استهتار بمشاعره وعواطفه، لازم نعرف أنه بيقتل أي علاقة مهما كانت قوية. لازم نفهم أن الإهمال عبارة عن إهانة بس صامتة ورسالة معناها أبعد.
ممكن نقعد نتكلم كتير عن الإهمال، بس المهم إزاي نعرف نعالجه وإزاي نحذر منه. لازم نعرف أننا لو بنحذر من عدوك مرة، لازم تحذر من الإهمال ألف مرة، لأنه سبب ضياع المجتمع والثروة وفقر الأمة، وكمان تدهور العلاقات الاجتماعية وتمزقها. يعني زيه زي أي مرض، فلازم نحذر منه سواء بقليله أو كثيره.
طيب بالعقل كده، دا هيحصل إمتى؟ أول حاجة لازم نعترف بالمشكلة، والأهم بعدها العقاب بتنفيذ القانون. كل ده وإحنا بنحاول نرجع لثقافة التربية الأسرية، ونعمل بشعار زمان. يا ترى لسه فاكرينه؟ “التربية قبل التعليم وإتقان العمل”، عشان نقدر نحارب كل أشكال الإهمال.
مش كده ولا اييييييييييييييه؟