كلمة ورد غطاها| حكاية العمر كله
في كل عام وحول يوم ميلادي، لا تنتابني أي مشاعر فرح بسنة جديدة أو حزن على عام مضى. ولكن لابد من اعتبار العام الجديد إضافة بأي شكل من الأشكال، حتى وإن كانت مجرد إضافة واحد صحيح إلى ما سبق من الأعوام.
والحقيقة أن لمرور تلك السنوات عدة فوائد، منها على سبيل المثال انحسار مستويات الدهشة أو المفاجأة. والأمثلة على ذلك كثيرة. فمثلًا، طوال كل تلك السنوات لم يحدث أن التزم أحد بموعده، سواء كان موعدًا لاجتماع عمل أو موعدًا للترفيه. ومع ذلك أجدني مُصِرًّا في كل مرة على ألا أتخلف عن الميعاد، بالرغم من علمي بأن ما نحن بصدده لن يبدأ كيفما اتفقنا أو ينتهي كذلك.
أيضًا، خلال تلك العقود حاولت أن أعرف السبب أو الأسباب الداعية إلى ذلك، ووجدتها لا تخرج عن مجموعة واهية من الاعتذارات، بداية من زحمة الطريق وصولًا إلى الادعاء بنسيان الموعد المحدد. ولكن ما جعل الأمر معتادًا وطبيعيًا هو كلمة “معلش” التي يقدم بها المتأخر حديثه أو يقابله بها باقي الحضور. وهنا لا أريد أن أقارن بين هذا الفعل الذي أصبح أمرًا عاديًا وبين بلدان أخرى، حيث لا يمكن أن يحدث ذلك إلا في حالات الوفاة أو نتيجة كارثة طبيعية.
من الأمور الثابتة أيضًا أنه إذا أعرت أحدهم كتابًا، فإنه حتمًا لن يعيده، وفي الغالب لن يقرأه أيضًا. ولا أدري لماذا تتأصل هذه العادة بين أوساط المثقفين أو من يدعي الثقافة. ولذلك، فقد اعتدت في حالة إعارة أي كتاب لأي شخص أن “أستعوض ربنا” أو أقوم بشراء نسخة أخرى في حالة أن يكون الكتاب مهمًا ولا بد من وجوده في مكتبتي. أستثني من ذلك أحد الأشخاص، حيث طلب مني أحد الكتب وأعطيته إياه، وقام بالفعل بإعادته لي مرة أخرى بعد أسبوعين تقريبًا. ثم طلب عدة كتب أخرى، فما كان مني وسط اندهاشي واعتزازي بما فعله إلا أن قمت بإعارته المجموعة التي طلبها كاملة، ولكن للأسف حدث المتوقع ولم يُعِدها لي مرة أخرى. كان هذا قبل خمسة عشر عامًا، وللأسف توفي هذا الصديق منذ أربعة أعوام خلال جائحة كورونا.
من الأمور التي اعتدت عليها حديثًا أيضًا، أن تجد أحدهم يتحدث إليك بأدق أسراره مع الحلفان بأغلظ الأيمان بأنه “استراح لي”، ولذلك قام بالحديث معي بصورة شخصية. ثم أتركه وأجلس مع أصدقاء مشتركين، فأجدهم يحفظون القصة عن ظهر قلب.
لا أريد أن أستفيض في الحديث عن الأمور المتكررة وخاصة السلبية منها، ولذلك أختم المقال بالإشارة إلى إكسير الحياة الذي يجعلنا قادرين على تحمل قسوتها ورذالة البشر، وهو الضحك من القلب. ولهذا الفعل حكايات كثيرة تحتاج إلى مقالات تفصيلية.