كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| لا تقرأ بعين واحدة

يمر القارئ في رحلة القراءة الكبيرة بعدد من المراحل أو المحطات، يكون أولها التعرف على المجالات المختلفة واختيار أقربها إلى عقله وقلبه وإلى اهتماماته، وما يحدث له المتعة والإشباع. ومن ثم يقوم بالتركيز على تلك المجالات، ثم يقوم بانتقاء الكتاب الأشهر والأقدر على السرد والتوضيح، ثم يبدأ في الغوص في أعمالهم واحدًا تلو الآخر.

تكمن المشكلة دائمًا في حالة التصديق الساذجة التي يمر بها في البدايات – قد تمتد لعقود – والتي يقوم فيها بتصديق كل ما يكتبه كتّابه المفضلون، ويكون على استعداد لخوض معارك ضارية للدفاع عما يكتبون وتبرير أخطائهم أيضًا.

هذه الحالة يمكن التعبير عنها كأنما يقوم الشخص بالقراءة بعين واحدة، ومعناها التام الاقتناع بكل كلمة وكل حرف والرفض التام لأي رأي مخالف، حتى وإن كان صائبًا. وهذه الحالة قد تحدث على مستوى الحقائق أو على مستوى الكتّاب أنفسهم، فالأمر ليس مجرد قراءة لأخبار ووقائع وتحليلات واستنتاجات أو الاستمتاع بالأسلوب الأدبي أو أسلوب السرد وترتيب الأفكار. فجزء كبير من الأمر يختص بالعقل والوجدان اللذين يمتلئان عن آخرهما بكاتب ما وبأفكاره، حتى لا يوجد مساحة لآخر. وهذه الحالة عبر عنها الكاتب الكبير أنيس منصور عندما سُئل عن ولعه بعباس محمود العقاد وقلة الاهتمام بعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فالأمر ببساطة يشبه الوعاء الذي إذا امتلأ لا يمكن إضافة أي شيء آخر إليه.

بعد هذه المرحلة، ينقسم القراء إلى قسمين رئيسيين. القسم الأول هو قسم القراء ذوي الحظ القليل، وهم أولئك الذين يستمرون في الاقتناع والتصديق والامتلاء بكتاب بعينهم وأفكار معينة وحقائق وأخبار واستنتاجات محددة. أما القسم الآخر من المحظوظين فهم أولئك الذين يعيدون النظر – بالعَيْن الأخرى – لما قرأوه من قبل ولما تلقوه من أفكار ومفاهيم، فتبدأ درجة الثقة تقل وتزداد مساحات الريبة والشك، أو على الأقل إمكانية القبول لوجهة النظر أو وجهات النظر الأخرى. والأكثر حظًا منهم هم من يستطيعون الخروج بتصور أو وجهة نظر شخصية مبنية على كل ما قرأوه وعلى ما مر به من تجارب وخبرات. ولا تتوقف عجلة الحظ عند هذا الحد، فالأكثر حظًا من كل هؤلاء هم القادرون على مراجعة قناعاتهم والاعتراف بنقصها وعدم اكتمالها أو خطأها التام مع مرور الأيام، ومع المزيد من الاطلاع والقراءة بعينين اثنتين وبعقل نقدي وقلب صادق مخلص.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى